حقل غمران : قصص قصيرة


تأليف :

الناشر : الشارقة : اتحاد كتاب وأدباء الإمارات

سنة النشر : 1997

عدد الصفحات : 77

الوسوم - أدب

تقييم الكتاب

شارك مع أصدقائك تويتر فيسبوك جوجل


تظل مفردات البيئة من صحراء وبحر وجبل وسهل، من أهم مغريات الكتابة الأدبية بأنماطها المختلفة، عند الكثير من المؤلفين الإماراتيين، ويأتي السرد، وخاصة القصة، كمجال مختلف من حيث الأدوات والقدرة على توصيف حياة الماضي القاسية قبيل اكتشاف النمط، وللإماراتي والخليجي بصورة عامة شغف دائم بتلك الإبداعات التي تعود به إلى الماضي حيث زمن الطيبين.
كتاب «حقل غمران»، للكاتبة سعاد العريمي، الصادر في طبعته الأولى في عام 1997، عن منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، هو عبارة عن مجموعة قصصية تتمثل عدداً من المواضيع والأفكار، وتسافر بالقارئ إلى أماكن وفضاءات مترعة بالدهشة والجمال، حيث إن للكاتبة قدرة جيدة على التقاط المفارقات الاجتماعية وصناعة الصور والمشهديات، وتتميز بلغة خاصة استطاعت من خلالها أن تمارس فعل الاختزال والتكثيف من أجل إنتاج المعنى، كما أن الحواريات في عوالم العريمي السردية تكشف عن الحالات الإنسانية وتحتشد بالرؤى الفكرية، ولكن أكثر ما يلفت في القارئ والناقد في قصص العريمي تلك القدرة على الوصف المختزل والذي يحيط بتفاصيل كثيرة تشير إلى حس الالتقاط الجيد، وكذلك القدرة على اختيار المواضيع التي تشد القارئ ليتفاعل معها، خاصة الحنين إلى أزمنة مضت، كما تهتم الكاتبة كثيراً برصد القيم الاجتماعية والعادات والممارسات القديمة، كما أنها تقترب من مناطق تحتاج بالفعل إلى الجرأة في التناول، وذلك يظهر في أكثر من نص في هذه المجموعة.
الكتاب يقع في 77 صفحة من القطع الصغير، ويشتمل على 11 نصاً قصصياً وهي: «المترف»، و«أنمار»، و«بئر ناصر»، و«توق»، و«ثمة حادث في الطريق»، و«حقل غمران»، و«شنا شيل»، و«عفراء»، و«لقمان الملك»، و«مرامي»، و«نهار»، وتضم تلك القصص عوالم وموضوعات مختلفة، وتناقش أفكاراً اجتماعية مثل قصص الأزواج والأمومة، ووجودية مثل الموت والحياة، وتحلق أخرى في عوالم حميمية مثل الحب وفيها ما يحمل رحيق الأمكنة وعبق الماضي، غير أن القاسم الذي يكاد يكون مشتركاً في تلك القصص هو التركيز على المتغيرات العصرية وما تحدثه في المجتمع والأفراد، كما جاء تصميم الغلاف وهو يحمل صورة تشكيلية تشير إلى الإنسان وغربته في عالم يضج بالتحولات.
وللمؤلفة قدرة على صناعة الشخوص وتوظيفهم في مجرى الأحداث، فأبطال العريمي في هذه المجموعة هم أشخاص من عامة الناس من نساء ورجال، يخوضون تجارب مختلفة وقاسية ولكنها تعبر عن الواقع الاجتماعي والمتغيرات التي حدثت فيه، فهنالك شخصية محمد وناصر وسعيدة بنت غافان في قصة «المترف»، وبنت غافان في تلك القصة هي بطلة النص رغم غيابها، حيث إن القصة تنفتح على لحظة المنادي الذي ينعاها، لكنها كانت رغم ذلك الشخصية الرئيسية التي تفسر كل عوالم النص، وهنالك أيضاً أنمار في قصة «أنمار»، الذي يحمل الرؤية والوعد من خلال أحداث تكشف عن البعد الفلسفي والقدرة على مراوغة الواقع عند الكاتبة من أجل إيصال فكرتها إلى المتلقي، وهنالك الزوجة الشابة عفراء في القصة التي تحمل اسمها، تلك المقاتلة التي تخوض معركة الإنجاب في خضم أحداث عاصفة، ولقمان في قصة «لقمان الملك»، صاحب النظام الخاص في الاستيقاظ من النوم، وعندما أصبح ملكاً قام بفرض «الحدس اللقماني» في الاستيقاظ من النوم والذي يقوم على طقوس وطريقة معينة، وسلمان صاحب المقولة «الحياة غابة يا صديقي»، وأيضاً هناك نهار بطلة قصة «نهار»، صاحبة الرؤى الفلسفية، وكندة في قصة «ثمة حادث على الطريق العام»، وفي بعض الأحيان يكون الراوي هو بطل العمل، وتلجأ الكاتبة في العديد من النصوص إلى أسلوبية قريبة من الواقعية السحرية عبر توظيف الأحلام والوقائع الغريبة.
اللافت كذلك في هذه المجموعة القصصية، اللغة الجميلة للكاتبة، وجعل الأفكار تتجول حرة طليقة في ثنايا النص الأمر الذي يكسبه أبعاداً جمالية، وقدرة على تمرير العوالم الثقيلة، فنقرأ في قصة «المترف»، في توصيف جنازة بطلة الحكاية: «أربعة رجال يحملون امرأة، مضت سعيدة بنت غافان في مهب الريح، وعبرت الضباب، تناهت إلى ما لا نهاية، كاشفة ستر سيدها»، وذلك الوصف برموزه ودلالاته يضع أمام القارئ مفاتيح فهم الحكاية التي قد تبدو غامضة، كما نقرأ في قصة «توق»: «صمت المقابر والشوارع الحزينة، كأن وحشاً من حديد، ومن حجار سف الحياة، فلا حياة إلى المساء لتستقبل صمتاً جديداً»، وكذلك نقرأ في قصة «شناشيل»، هذا المقطع: «كانت الكلمات تخرج من فمها كقوس قزح ملونة كلمات جميلة وضعت في فمها بشكل مريب»، وفي قصة «نهار»: «المكان محطة قطار، كتب على الجدران: يبزغ الحلم في محطة القطار»، والواضح أن هناك إمكانيات في تطويع اللغة ورصد المفارقات بطريقة تجعل القارئ يتفاعل مع الحكايات، إضافة إلى استخدام المؤثرات وعناصر التشويق.
وكذلك فإن اللافت في هذه المجموعة صناعة الاستهلال والبدايات غير التقليدية، وتلك من العوامل التقنية والجمالية المهمة في السرد القصصي والروائي، وعتبة تنقل المتلقي إلى عالم الحكاية بطريقة سلسة، فنقرأ استهلالية في قصة «أنمار»: «عندما نظر أنمار إلى أعلى، كانت السماء تمطر مطراً أسود مشؤوماً ملغماً بالغبار والفضة»، أما في قصة «لقمان الملك»، فنقرأ: «عندما أفاق لقمان بن مسيعيد في ذلك الصباح، كانت الشمس مغيبة وراء تلال من السحاب... أسدل الستار وقال: لم يحن الوقت بعد، وتابع نومه القلق»، وفي رواية «نهار»، نقرأ: «شعر الرجل الذي هو نهار بأن هذه الصرخة الغائرة في أعماقه ستبقى هكذا مكتومة ومعلقة على وشائج الوهم، ربما».
عنوان المجموعة «حقل غمران»، مأخوذ من إحدى قصص المجموعة، وهي تتحدث عن حكاية غمران الذي يشتغل حارساً لأحد حقول الغاز والبترول في منطقة صحراوية بعيدة ذات طبيعة قاسية، حيث الرمال الخطرة المتحركة، والرياح المزمجرة وأشعة الشمس الحارقة، الأمر الذي جعل غمران يشعر بمعاناة شديدة وسط تلك الطبيعة الغاضبة، لكن ما من مفر فإن غمران مضطر للعمل في تلك الأجواء المؤلمة من أجل أن يعيش، حيث إن القصة تتحدث عن تلك الطبقات العمالية التي يسوقها القدر إلى العمل في أماكن خطرة وصعبة، وتتناول الكاتبة عبر القصة حياة ما قبل النفط حيث الفقر وشظف العيش، وما بعدها حيث التطور والازدهار والتقدم العمراني الهائل الذي كان له أثره في المجتمع وحياة البشر، والقصة تحمل العديد من اللفتات الجمالية وقوة الوصف، ونقرأ في أحد مقاطعها: «كانت متاهات الرمال تأخذهم في تعرّجات قد ألفها غمران، متاهات محفوفة بالمخاطر والغموض.. كانت الصحراء مفتوحة على المدى البعيد لا تحدّها جهات... متوحدة مع حرارة الشمس اللاهبة... مفتوحة على السماء».
https://www.alkhaleej.ae/2023-11-08/%D8%AD%D9%82%D9%84-%D8%BA%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%81%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%84/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9



هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك

تعليقات الزوار


حقل غمران : قصص قصيرة
التبراة : والجمع ( تباري ) وهي المغاصة التي يكثر في قاعها المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ . فيقال ( المركب عنده تبراه ) أي وجد مغاصة يكثر فيها اللؤلؤ في قاعها الرملي . وقيل أن مناطق ( التبراة ) تسري ليلاً من مكان إلى آخر ، وأن المحار يطوف على سطح البحر ، فيلمع وكأنه ألوف المصابيح الدقيقة المنثورة على سطح البحر ، فتلاحقه سفينة الغوص حيثما ذهب . ( معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة )

التبراة : موقع إماراتي يتناول مئات المواضيع التي تضيء شعلة حب الكتاب لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة ( شخصيات وهيئات ومؤسسات ) في نشر ودعم الكتاب على مستوى العالم وبكل اللغات . كما يعرض لأكثر من ألف عنوان كتاب يتم نشره سنوياً منذ بداية الألفية الثالثة .

ملاحظة : الموقع عبارة عن قاعدة معلومات فقط و لا يتوفر لديه نسخ من الكتب .

عداد الموقع

الكتب
33331
المؤلفون
18463
الناشرون
1828
الأخبار
10191

جميع الحقوق محفوظة - موقع التبراة