كتاب ماء : مجموعة قصصية تأليف مريم جمعة فرج

سنة النشر : 1994

عدد الصفحات : 74

الوسوم - أدب

تقييم الكتاب

شارك مع أصدقائك تويتر فيسبوك جوجل

كتاب «ماء»، للقاصة الراحلة مريم فرج، الصادر في طبعته الأولى عن شركة «دار الجديد»، للطباعة والنشر، في بيروت، عام 1994، هو عبارة عن مجموعة قصصية، يعتبر من العلامات الفارقة في الكتابة القصصية والسردية على العموم في الإمارات، وبالفعل استطاعت مريم فرج في هذا الكتاب أن تختزل عوالم كاملة وحياة طويلة في تلك النصوص القصيرة ببراعة كبيرة، ما يبرهن بقوة أن هناك أدباً أنثوياً، يعزز حضور المرأة في الأدب على نحو ملحوظ وفاعل. المؤلفة في هذا الكتاب أبدعت في طرح قضايا المتعبين والمهمشين بصورة ناصعة، وليس من قبيل المبالغة مقارنتها بالكاتبات العالميات الكبار مثل: «الأخوات برونتي»، مروراً بفرجينيا وولف، وروزا لكسمبورج، وأخريات كثر.
مريم فرج من أفضل الكاتبات اللواتي ولجن عالم القصة القصيرة، ذلك الفن الصعب الذي يعتمد بصورة كبيرة على تقنية الاختزال والتكثيف، وهي من القاصات الرائدات، إلى جانب مريم الناخي، وعدد آخر ممن حملن راية الكتابة السردية، وكان لكل واحدة منهن بصمتها الخاصة وأسلوبها الذي عرفت به.
جاء الكتاب في 74 صفحة من القطع الصغير، ويضم عدداً من القصص القصيرة بعناوين مختلفة، وهي: «أعداء في بيت واحد»، «ماء»، «غابرييلا: صرمة وطلع»، «ظهيرة»، «أحمد»، «الغافة»، و«أشياء صغيرة»، ويطّلع القارئ في تلك النصوص على عدة موضوعات والعنصر المركزي في القصص هو المرأة التي تحضر بصور متعددة، والكتاب يرصد قضية التهميش والواقع الاجتماعي في تحولاته المختلفة، والتغيرات التي طرأت على إنسان منطقة الخليج والإمارات بصورة أكثر خصوصية، والكاتبة تطرح هذه القضايا، وغيرها، في الوقت الذي يمتاز كتابها برؤى فكرية وفلسفية ميزتها عن غيرها من الكاتبات في حينه، فضلاً عما امتازت به الكاتبة من براعة وتفرد فني وتقني وأسلوبي ولغوي يغوص في دواخل النفس البشرية، الأمر الذي يجعل لنصوصها قوة إبداعية وجمالية طاغية، حيث إن الكاتبة هي من القليلات اللواتي يتميزن بالقص أو السرد الأنيق والرفيع في مستواه، حيث تأخذ تلك القصص القارئ في تطواف بديع على عوالم مترعة بالجمال، وحنين نحو الماضي القريب، أو ما يعرف ب«زمن الطيبين»، حيث البيوت القديمة، والفريج، والحياة ما قبل التطور الكبير في الدولة الذي وجد هو الآخر نصيبه وحظه في التناول في أعمال الكاتبة.
ولعل من أكثر الأشياء اللافتة في الكتاب هو تصميمه الجميل واللافت، فثمة طائر يفرد جناحيه محلقاً في السماء، ومن تحته الماء، وثمة مركب شراعي يقف على الشاطئ، وهذا الإبداع على مستوى التصميم هو للفنان تاج السر حسن، حيث جعل من الغلاف عتبة نصية تحيل إلى نصوص وعوالم قصص المجموعة، وما تحفل بها من رموز وإشارات، ويحمل الكتاب عدداً من الرسومات الجميلة لتاج السر والتي تعبر عن مواضيع القصص، كما حمل الكتاب، إهداء جميلاً ورقيقاً موجهاً للدكتور يوسف عيدابي، يقول الإهداء: «أكتب أيضاً... لأجل أولئك الذين يريدونني أن أكتب، إلى أخي يوسف عيدابي».
ولعل هذه المجموعة، «ماء»، إلى جانب كتاب آخر لمريم فرج الآخر بعنوان «فيروز»، هما بمثابة الخطوة الأولى لولوج مريم جمعة عالم الثقافة والإبداع، وما يمكن أن يقال عن هذا الكتاب ينطبق على الآخر، خاصة في ما له صلة بالقضايا الاجتماعية، وتناول الواقع المحلي بما فيه من عادات وتقاليد حميدة، كما أبدعت فرج في رسم شخوص مؤثرة وأبطال يبحثون عن ذواتهم المغتربة، ويحاولون الانعتاق ومواجهة قهر الإنسان لأخيه في كل مكان، وهي شخصيات يتورط معها القارئ فلا تكاد تبارح ذاكرته، حيث تتميز تلك الشخوص بالقوة، ولئن عاشت القهر والانكسار بسبب ظروفها الاجتماعية إلا أنها لم تركن إلى الشكوى، بل استطاعت أن تحقق ذواتها، فهذه الشخصيات ليست منبتة، بل شديدة الالتصاق بالمجتمع وتراب الوطن، وعبر هذه الرؤية تتسلل القضية الوطنية من دون إقحام إلى نصوص مريم فرج لتشكل معزوفة فريدة تنتصر للإنسان وحب الوطن.
عنوان الكتاب، هو في الأصل قصة ضمن نصوص الكتاب، وهو يحمل إشارات مهمة، نظراً لأهمية الماء في واقع وحياة الناس في الخليج، أو في الحياة الصحراوية بصورة عامة، لذلك ركز عدد من النقاد على دلالات العنوان، حيث يشير الناقد رشيد بوشعير إلى أن هناك احتفاء كبيراً بالماء في كتابي مريم الفرج «ماء»، و«فيروز»، ويقول بوشعير: «في قصص المجموعة الأولى نلمس اهتمام الكاتبة بالماء الذي يكاد يكون حاضراً في كل قصة، ولو كانت تلك القصة تعالج موضوعاً غير موضوع الماء، وإذا أردنا أن نصف دلالات الماء في قصص مريم جمعة فرج، فإننا نستطيع أن نميز الرؤى الآتية: الماء بوصفه رمزاً للحياة: يعد الماء ضرورة للحياة كما نرى في كثير من قصص مريم جمعة فرج، لأن الحياة تقوم على هذا العنصر الحيوي. ففي قصة (ضوء) تغدو (كل الأشياء يملأها الماء)، لأن وجود تلك الأشياء يقوم على الماء أصلاً، بل إن تلك الأشكال المتباينة ذاتها تعد مظاهر لعنصر الماء، وهي كلها (تزيد من الإحساس بالتدفق)، ولذلك فإن الناس في هذه القصة ينتظرون نزول المطر بفارغ الصبر»، أما الناقد مؤيد الشيباني فقد صدر له كتاب بعنوان «مريم جمعة فرج... قصة غافة إماراتية»، وقد استوحى الكاتب العنوان من الغافة، وهي إحدى قصص مجموعة الكتاب، بوصفها شجرة معطاءة صابرة وقوية، تمثل عنوان المحبة والفيء والظلال، وهي رغم قلة الماء، تنتمي لأرضها، وتتجذر فيها إلى حد العشق.
وجد كتاب «ماء» لمريم فرج صدى كبيراً منذ لحظة نشره، حيث اعتبر من قبل النقاد من الأعمال السردية الناضجة، حمل الكثير من الإشراقات وانفتح على الإنسان والبسطاء، ولفت النقاد إلى أن الكاتبة نجحت في تناول مواضيع تخص العديد من الفئات الاجتماعية، وتميل الكاتبة في كثير من القصص إلى مشاركة القارئ عبر طرح الأسئلة وكثير من القضايا التي تناولتها المؤلفة، وهي أسئلة مشرعة على حياة عصرية نعيشها اليوم و(الآن)، هذا العصر الذي يتسم بالتشظي وسيادة الفردانية، والكاتبة تبدو من خلال نصوصها مشغولة بما يجري في العالم، ومنحازة بشكل كبير لقضايا الفقراء بمختلف جنسياتهم، وألوانهم، ومواقعهم في عصر تسود فيه ثقافة الاستهلاك، ويبدو فيه الإنسان مغتربا عن جوهره الإنساني.
https://www.alkhaleej.ae/2023-09-07/%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%B9%D8%B2%D9%88%D9%81%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9