سنة النشر :
2009
عدد الصفحات :
297
السلسلة :
إرتياد الآفاق
تقييم الكتاب
بنو منقذ، من كنانة، ينتهون بنسبهم، على ما ذكر مؤرخهم، إلى يعرب بن قحطان. أسرةٌ كبيرة( ) من الأسر الحاكمة في تاريخ العرب والإسلام. كانت لها أملاك في حماة وحلب، قبل أن يُقطعها صالح بن مِرادس (415هـ)، الذي مَلَكَ الأمر في حلب، من بعد الحمدانيين، إقطاعاً في جوار قلعة شَيْزَر( ) الأثرية، شمالي حماة، على ضفة العاصي الغربية، في موقع حصين يحكم وادي العاصي.
وليس غريباً، أن يكون لهذه القلعة تاريخٌ مُوغِلٌ في القِدم، منذ ما قبل الألف الثانية ق.م وبعدها، لخطر موقعها وحصانتها وقُربِها من حماة وأفامية( ) وإشرافها على سهل الغاب، عند قلعة المضيق( ) التي بُنِيَت قريباً منها أيضاً. ولبروز هذه القلعة وارتفاعها سمّى العرب الهضبة التي تقوم عليها: عُرف الديك. وزاد من مَنَعتها أنَّ العاصي يُحيط بها من أكثر جهاتها. ثم إنهم حفروا خندقاً في الصخر يقطعها عن البرّ، وأقاموا فوقه جسراً يصلها به ويقطعها عنه، حين يريدون.
كان فتْح العرب المسلمين لشيزر في فتوح الشام، بعد أن دخلوا حمص وحماة (سنة 17هـ= 638م) بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وكانوا يعرفونها، فإن امرأ القيس ذكرها لهم في شعره، وهو في طريق رحيله إلى ديار الروم، على ما يقول الرواة( ). ثمَّ دارَت من حولها، بعد ذلك، معارك كثيرة بينهم وبين البيزنطيين، حين أخذَ الضعف يغلب على الدولة الإسلامية في عهد الحمدانيين، قبل مجيء الإفرنج (سنة 490هـ): يستخلصها البيزنطيون لأنفسهم أحياناً، ويستردّها المسلمون أحياناً. ثم وقعت في أيدي البيزنطيين زمناً طويلاً، أواخر عهد الحمدانيين (سنة 388هـ)، هجرها فيه أهلها، فأقام البيزنطيون فيها أسقفية، إلى أن استردَّها بعدها (سنة 474هـ) عزّ الدولة سديد الملك، أبو الحسن علي، جَدّ أسامة، بمالٍ دفعه إلى ديمتري الأسقفّ الذي كان فيها، بعد أن أُقطع بنو منقذ الإقطاع الذي ذكرناه، في جوارها، وضمّها إليه.
وكان بعض الأمراء من بني منقذ تمكَّنَ من الاستيلاء على بعض الحواضر القريبة (مثل كفَر طاب)( )، قبل سديد الملك، وضمّها إلى الإقطاع أيضاً. وبنى قريباً من الجسر الذي أقاموه فوق العاصي، عند حدود (المدينة) التي أُقيمَت بالقرب من القلعة، حِصناً يُنسب إليهم، سمّوه: حصن الجسر، ليحرسه ويَحصِن به القلعة نفسها، ويمدّ حدود سلطته إلى العاصي. فلمّا استردَّ سديد الملك القلعة و(البلدة)( ) التي تضمّها، قاربَ ملك الأسرة أن يتحول إلى إمارة صغيرة (انبسطت سلطتها أحياناً فشملت أفامية وكفَر طاب واللاذقية) كُتِبَ لها أن تلعب دوراً مذكوراً في حروب الإفرنج( ) الصليبيين، من بعد.
جاءَ بعد سديد الملك (ت479هـ) ابنه عز الدولة أبو المرهف نصر (ت491هـ)، فأخو نصر مجد الدين مرشد (ت531هـ)، والد أسامة. وكان ورِعاً زاهداً في السُّلطة، فتنازل عنها لأخيه الأصغر( ) عزّ الدين أبي العساكر سلطان، عمّ أسامة، (سنة 504هـ)، وكان عمر أسامة يومها ستة عشر عاماً، وقد مضى على مجيء الإفرنج أربعة عشر عاماً. وفي ولاية سلطان هذا وولده محمد بعده، وقعَت الأحداث التي قُدِّرَ لأُسامة أن يكون مِن شهود أكثر فصولها إثارة، في الثلث الأول من حياته الطويلة، ويَصِفَها في كتاب "الاعتبار"، إلى جانب الأحداث والوقائع الكثيرة التي شهدها في الموصل ودمشق ومواطن أخرى، مع الزنكيين، وفي مصر، في السنوات الأخيرة من حكم الفاطميين، وفي حصن كَيْفا( ) أيام الأُرْتُقيين، قبل استقراره الأخير في دمشق إلى جانب الناصر صلاح الدين الأيوبي.
كانت شيزر آنذاك عُرضةً لغزوات الأعراب من بني كلاب المقيمين في أطراف حلب، والإسماعيلية (ويسميهم في الكتاب: الباطنية) الذين كانوا قريبين منها، والروم البيزنطيين، والإفرنج الصليبيين، في وقتٍ واحد. فكانت تصدّ هذه الغزوات بما لها من مَنَعة موقِعِها ومَنَعة حصونها وخنادقها، وعزيمةِ رجالِها، وشجاعَةِ أُمرائِها، وقُدرتِهم على تعبئةِ الناس ودَفعهم إلى القتال، على ما يَصفُ أسامة في هذا الكتاب. وكانت من حولها أيضاً، في سهل الغاب، آجام تعجّ بالأسود والفهود وحمر الوحش. وسطٌ تُحدق به وبساكنيه الأخطار، من كل طرف.
http://alrihlah.com/bookss/350
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك