أعلنوا مولده فوق الجبل


تأليف :

المترجم :

الناشر : الشارقة : كلمات للنشر والتوزيع ، روايات

سنة النشر : 2018

عدد الصفحات : 249

ردمك ISBN 9789948101062

الوسوم - أدب مترجم - رواية

تقييم الكتاب

شارك مع أصدقائك تويتر فيسبوك جوجل


اتسمت الأصوات الأدبية التي اغتربت، أو غربت عن القارة الإفريقية، لأسباب مختلفة، بالقدرة على السرد الساحر والقوي والمؤثر، والذي ينجح في إثارة المشاعر، وكأن هناك سرداباً خفياً في الروح يوصل بين الإفريقي وأصله، وكذلك لأن قدر إنسان القارة هو الشقاء والبؤس حتى في أراض جديدة، وذلك ما عبر عنه الكاتب الأمريكي جيمس بالدوين في روايته «أعلنوا مولده فوق الجبل»، التي صدرت في طبعتها العربية الأولى عن دار روايات في الشارقة عام 2018، ترجمة هاني حلمي حنفي.

أحداث الرواية تجري في حي هارلم القديم والعريق والشهير في مدينة نيويورك، ذلك المكان الذي ارتبط بالعنصرية والعبودية والاضطهاد والفقر وحياة البؤس لآلاف السود الذين هم أبناء أجيال وقع عليهم نير الاستعباد، فصاروا مهمشين مقصين عن معادلتي السلطة والثروة والحياة الكريمة، فالرواية هي عبارة عن حكايات وقصص من ذلك المكان، حيث تدور وقائع العمل في فترة الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، وتبدأ الأحداث تحديداً يوم مولد بطل العمل المراهق جون، يوم سبت من عام 1935، وفي أحد الأيام يصحو فيجد صدره وقد ثقُل فجأة ممّا اقترف من خطايا، ضميره الدينيّ يؤنّبه، فيشرع في التساؤل عن هويّته الدينيّة والاجتماعيّة والعِرقيّة، وعن حقيقة مشاعره، ومن هو في هذه الحياة، يطلق بطل العمل أسئلة الوجود والمصير، وتحتشد الرواية بالأسئلة الحارقة.

*حيوات

الرواية تضع جون تحت المجهر، حيث ينتقل السّرد في الزّمن ماضياً وحاضراً ليشكّل صورة متكاملة عنه من خلال أحاديث عمّته، ووالدته، ووالده الذين يحتلون هم أيضاً موقعاً مركزياً في العمل، حيث يعمل السرد على سبر أغوار تلك الشخصيات عبر الأحداث الكثيرة التي شكلت حياتهم، وتلك هي ميزة هذه الرواية التي تغوص عميقاً في النفس البشرية بكل أبعادها الاجتماعية والدينية، والتصورات التي تحملها عن الحياة، وهو العمل الذي وجد صدى قوياً وكبيراً لدى القراء في مختلف أنحاء العالم، ما دفع المؤلف إلى القول عن الرواية، رغم إنتاجه الأدبي الغزير: «لو كان لي أن أكتب كتاباً واحداً في حياتي، لما كتبت سواه».

*معالم
وإضافة إلى الشخوص، تبرز بعض الأماكن بصورة أساسية في السرد، خاصة مكان العبادة، والذي هو ليس بقعة لممارسة الطقوس فقط، ولكنه الملجأ الذي ينتمي إليه هؤلاء البشر الذين عانوا البؤس والفقر والظلم، ليحمي عقولهم عن الانجراف والجنون الذي تدفعهم إليه الحياة دفعاً، وفي تلك البقعة الدينية تتحدث الرواية عن شخصياتها وتكشف عن الكثير من الأبعاد، ولئن كان البعض يشير إلى أن العمل يتناول قصة حياة الكاتب نفسه، إلا أن الرواية ليست من جنس السيرة الذاتية لكنها تأخذ منها، إضافة لكونها تحكي عن المدينة وأسرارها وشخصياتها والحياة فيها، فهي قصيدة للمهمشين، ويشير بعض النقاد والمؤرخين إلى ارتباط المؤلف بحي هارلم الذي كان يطلق عليه لقب «عاصمة أمريكا السوداء»، وكما ارتبط اسم تشارلز ديكنز بلندن، ودستوفيسكي بسان بطرسبرج، وغيرهما من أدباء ومفكرين ارتبطوا بمدنهم، فإن بالدوين ارتبط بتلك البقعة التي شهدت أحداثاً جساماً، وعلى الرغم من أن بالدوين قد رحل نهائياً في سن الثامنة عشرة عن هارلم، ولم يعد يزور المدينة إلا لماماً، إلا أن تلك الزيارات القصيرة شكلت عالمه الأدبي.

*ذكريات

الرواية أشبه بالتداعي الحر لذكريات مريرة استقرت في ذهن الكاتب، والذي قضى حياة بائسة تحت وطأة الفقر الذي كان يعيش فيه المجتمع الأسود، وانتشار الجريمة، والعنصرية التي يعامل بها البيض أبناء الأفارقة الأمريكيين، وإلى جانب ذلك، عانى بالدوين قسوة أبيه أيضاً، فكانت القراءة هي الملجأ والمهرب الذي أنقذه من مشاعر الكراهية والإحساس بالقبح وفقدان الثقة بالذات التي زرعها الأب فيه، فقد عانت أسرة الكاتب كذلك ثقل العزلة التي فرضها الأب عليهم بدافع الخوف من المحيط القاسي والمخيف في حي هارلم، حيث الجريمة في شوارعها، ورجال الشرطة المتربصين والمتنمرين، ورفاق السوء من السود الذين لم يجدوا من ينقذهم من تلك الحياة فمارسوا الجريمة كرد فعل عنيف تجاه العنصرية المفروضة عليهم، وربما ذلك ما جعل النقاد يشيرون إلى روح وظلال الكاتب موجودة بقوة داخل العمل وكأنه يحكي سيرته، ولكن بطبيعة الحال، فإن بالدوين، كتب عن جميع الأطفال والأشخاص الذين عاشوا في حي هارلم في تلك الفترة المظلمة، حيث إن سيرهم جميعاً تتشابه، فالمأساة واحدة.

*روح الشعر

اهتمت الصحف والمطبوعات الأمريكية بالرواية كثيراً فور صدورها، وقالت عنها صحيفة نيويورك تايمز: «بتصوير حي وشفيف، وانتباه شرس للتفاصيل، سطر السيد بالدوين قصته الأعز»، فيما أشارت مجلة هاربرز أن بالدوين: «كتب بروح الشعر سرداً عظيماً»، بينما تحدثت صحيفة شيكاغو صن تايمز عن الكاتب بالقول: «مذهلة معرفته العميقة تلك بمكان نشأته هارلم، وأناسه وحتى لغته»، وبالفعل استطاع الكاتب أن يصنع مادة سردية غنية بالتفاصيل ومفعمة بالمشاعر بلغة شاعرية، فلا عجب فالرواية تحكي عن تجربة لصيقة به، استطاع عبرها أن يبقي قضية السود خالدة تغالط النسيان.

*مولد
عنوان الرواية جاء معبراً عن أجواء الأحداث، وهو مأخوذ من أغنية كنسية كان يرددها السود الأمريكيين في أعياد الكريسماس والتي يقول مطلعها: «انطلقوا وأعلنوا مولده فوق الجبل»، يشير العنوان إلى التبشير بالخلاص، وهذا ما عملت الرواية على التعبير عنه، ذلك التوق الكبير لدى السود في التحرر من نير التمييز العنصري، غير أن السرد لا يغرق كثيراً في التصورات العقدية للرجال والنساء السود في حي هارلم، فهي ليست رواية دينية مثلما يوحي العنوان بقدر ما هي قصة عن مأساة كبيرة، وتصوير لتجربة اجتماعية لمجموعة من البشر بأبعاد روحية، وكشف عميق عن الحياة التي عاشوها بسبب اللون والعرق.

*رمز
أصبح حي هارلم، في تلك الفترة، يرمز إلى الحياة في ظل العنصرية والقهر، صار هو تلك البقعة التي تضم منبوذين، بعد أن اختاره الرجل الأبيض، ليكون سجناً كبيراً للسود، ليكون مسرحاً للأمراض وتفشي الجريمة، لكن الرجال والنساء السود استطاعوا عبر نضالهم المستمر من أجل حياة كريمة في الانتصار لذواتهم وقضيتهم، وعلى الرغم من أن ظلال العنصرية مازالت ماثلة حتى اليوم، لكن مجتمع السود قادر على مواصلة الانتصار والعمل من أجل المساواة، وتلك هي المعاني النبيلة الكامنة في الرواية.
https://www.alkhaleej.ae/2024-02-28/%D8%A3%D8%B9%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7-%D9%85%D9%88%D9%84%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%85%D8%B4%D9%8A%D9%86/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9



هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك

تعليقات الزوار


أعلنوا مولده فوق الجبل
التبراة : والجمع ( تباري ) وهي المغاصة التي يكثر في قاعها المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ . فيقال ( المركب عنده تبراه ) أي وجد مغاصة يكثر فيها اللؤلؤ في قاعها الرملي . وقيل أن مناطق ( التبراة ) تسري ليلاً من مكان إلى آخر ، وأن المحار يطوف على سطح البحر ، فيلمع وكأنه ألوف المصابيح الدقيقة المنثورة على سطح البحر ، فتلاحقه سفينة الغوص حيثما ذهب . ( معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة )

التبراة : موقع إماراتي يتناول مئات المواضيع التي تضيء شعلة حب الكتاب لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة ( شخصيات وهيئات ومؤسسات ) في نشر ودعم الكتاب على مستوى العالم وبكل اللغات . كما يعرض لأكثر من ألف عنوان كتاب يتم نشره سنوياً منذ بداية الألفية الثالثة .

ملاحظة : الموقع عبارة عن قاعدة معلومات فقط و لا يتوفر لديه نسخ من الكتب .

عداد الموقع

الكتب
33325
المؤلفون
18459
الناشرون
1828
الأخبار
10188

جميع الحقوق محفوظة - موقع التبراة