سنة النشر :
2006
عدد الصفحات :
164
تقييم الكتاب
لم يكن ابن بُطلان رحّالةً بالمعنى المألوف، لأنه كان، قبل ذلك، طبيباً ماهراً قضى جُلّ وقته في معالجة مرضاه، وبكتابة مصنفاتٍ طبيّةٍ، تتابعُ المنطق الاستقرائي العقلاني. عقلانيةُ الرجلِ ومنطقه الاستقرائيّ الصارم مشهودٌ عليهما في مؤلفاته الواصلة إلينا، مثلما سجالاته الحميمة مع أطباء عصره. سوى أن ابن بُطلان كتب نصاً يقع في صلب أدب الرحلة بالمعنى الدقيق المعروف. رحلةٌ يبدو أن متناً من متونها لم يصلنا كاملاًً، ولم يتبق منها غير ما أورده مؤلفون معاصرون له ولاحقون به. فقد دوّن الرجل مشاهداته في البقاع التي زارها في نوع من رسالة شخصية (أو أكثر من رسالة) بعثها، على وجه الخصوص، إلى هلال بن المحسِّن بن إبراهيم الصابئ الكاتب المعروف، مؤلف "رسوم دار الخلافة". وهو ما ينص عليه القفطي من دون لَبْس وهو يزوِّدنا، لحسن الحظ، برسالة طويلة يسرد فيها ابن بطلان للصابئ رحلته، قائلاً: "شاهدتُ فِي (كتاب الربيع) لمحمد بن هلال بن المحسِّن نسخة كتاب وَرد من ابن بطلان بعد خروجه من بغداد، بصورة ما لقي في سفرته، إِلَى الرئيس هلال بن المحسِّن بن إبراهيم، نسخته:......". ثم ينقل القفطي ما قرأ في (كتاب الربيع) وهو كتابُ ابنٍ يُدْرِجُ رسالةً وُجِهَتْ إلى أبيه وهي رحلة ابن بُطْلان. يستنتج الباحث ميخائيل عواد: "لعلّ هلالاً أفاد مما كتبه إليه ابن بُطْلان من أمر هذه الرحلة، فأودعه بعض كتبه"( )، وهي قضية تستحق المراجعة والتأمل والفحص. طبيبٌ يُعنى بكتابة أسفاره هو أمرٌ قليلُ الحدوثِ في تاريخ الثقافة العربية. إن تنوّع اهتمامات ابن بطلان تدلّ على أريحيته واتّساعِ أفقه. وهو ما يضعه في مصافِ رحّالةٍ من طرازٍ فريدٍ، ويجعله نوعاً من المثقفين الموسوعيين الذين تتسعُ مجالاتُ اهتمامهم خارج نطاق تخصُّصهم، وهو حال المثقف الحقيقي من كلّ العصور. من هو ابن بُطْلان؟ هو إيوانيس المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان، الطبيب البغدادي المشهور. وهو، حسب ابن أبي أصيبعة( )، "أبو الحسن المختار بن الحسن بن عبدون بن سعدون بن بطلان، نصرانيٌّ من أهلِ بغدادَ، وكان قد اشتغل على أبي الفرج عبد اللّه بن الطيّب( ) وتتلمذ له، وأتقن عليه قراءة كثير من الكتب الحكمية وغيرها، ولازم أيضاً أبا الحسن ثابت بن إبراهيم بن زهرون الحراني( ) الطبيب واشتغل عليه، وانتفع به في صناعة الطب وفي مزاولة أعمالها"( ). وكان أبو سعيد عبيد اللَّه بن جبرائيل بن عبد اللَّه بن بختيشوع( ) معاصراً لابن بطلان ويجتمع به ويأنس إليه وبينهما صحبة" وهو ما يقوله الرازي كذلك عن علاقتهما. وبصدد أساتذة رحالتنا يذكر ابن أبي أصيبعة أن أبا الفرج بن الطيّب، وهو طبيب عراقي (انظر ترجمته)، قد خلَّف جماعة من التلاميذ منهم رحّالتنا. ويلقّب أبا الفرج هذا بـ (عجوز النصارى)، وقد قرأ عليه بن بطلان، ولازمه سنين عدة. ويُذْكَر أن ابن بطلان قال: "وشيخنا أبو الفرج عبد الله بن الطيّب بقي عشرين سنة فِي تفسير مَا بعد الطبيعة ومرض من الفكر فِيهِ مرضة( ) كَاد يلفظ نفسه فيها، وهذا يدلك على حرصِهِ واجتهادِهِ وطلبِ العلم لعينه( )، ولولا ذَلِكَ لما تكلف. عاش إِلَى بعد العشرين والأربعمائة وقيل لي مات سنة خمس وثلاثين وأربعمائة"( ) من الهجرة. كما يذكر ابن أبي أصيبعة أن عبيد الله بن جبريل بن عبيد الله بن بختيشوع بن جبريل بن بختيشوع ابن جورجس بن جبريل، أبو سعيد الطبيب( )، وكان من فضلاء الأطباء، متقناً للطب ولأصوله وفروعه، وكان جيّدُ المعرفةِ بمذهب النصارى.
http://alrihlah.com/bookss/103
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك