للكتابة لذة لا يتذوقها إلا من داوم عليها، وعمل على ملازمتها، حتى صارت همه الذي يشغل جُل تفكيره، هذا الأمر قاد إلى طرح العديد من التساؤلات في الأوساط الأدبية، التي تدور حول ظاهرة الابتهاج بالنص الأدبي، ومدى إمكانية الكاتب الاحتفاء بما خطه يراعه من إبداعات وروائع، والكيفية التي يتم بها هذا الابتهاج.جميع هذه المحاور وغيرها نالت حظها من النقاش في الأمسية الثقافية التي استضافها ملتقى الأدب ضمن فعاليات المعرض، تحت عنوان «بهجات من لذة النص إلى عذوبة الإبداع»، واستضافت كلاً من الروائي السعودي الدكتور محمد حسن علوان، والروائي المصري أحمد مراد، وأدارها الشاعر محمد أبو عرب.بدأ أحمد مراد حديثه بالتأكيد على أنه لا يغوص في أعماق أي نص إبداعي ولا يستمر في إنجازه، ما لم يجد فيه الشعور باللذة والاستمتاع، لافتاً إلى أهمية أن يكون كاتب النص قارئاً جيداً قبل أن يكون كاتباً، لكون القراءة تضيف للراوي والمؤلف الكثير من المفردات والأفكار التي تكتمل معها جماليات النص.وأضاف مراد: «التحدي الكبير الذي يواجهني أثناء كتابة أي نص يتمثل في إمكانية قدرتي على المحافظة على حالة الشغف والتشويق التي يصنعها النص في مخيلة القارئ، بجانب الوصول إلى ما أود كتابته، وأعبر عنه ضمنياً، حيث هنا تكمن عبقرية الكتابة، وأعني بذلك تحقيق لذة الكتابة مع جذب القارئ وتحفيزه على إكمال النص، واعتبر أن احتفاظ العمل برونقه وسحره على امتداد سنوات طويلة هي من أهم مؤشرات نجاحه».من جانبه قال الدكتور محمد حسن علوان: «أرى أن رواية موت صغير هي من أكثر أعمالي التي شعرت معها باللذة، وبالرغم من أنه يعتبر من أكبر أعمالي حجماً، وبلغ هذا الاستمتاع أعلى درجاته، حتى شرعت في صباح أحد الأيام لمواصلة كتابتي، لاكتشف بعدها أنني قد أنهيت العمل في الليل ودفعت به إلى الناشر، ف»موت صغير» هي من الأعمال التي تمنيت ألا تكتمل فصولها، وأن أظل مواصلاً سرد أحداثها، ومن جانبي أعتبر أن ممارسة الكتابة في حد ذاته أعلى درجةً من اللذة، وأنظر إليها على أنها جلسات علاج اختياري، أحرص دائماً على القيام بها، فلولا الكتابة لما استطعت على تكاليف الحياة».وحول سؤال أثارته الجلسة حول اللغة المستخدمة ودورها في الوصول إلى اللذة قال مراد: «اللغة هي الوعاء الرئيس الذي يستوعب فكرة النص، والتي من خلالها تتم ترجمة السيناريوهات، وهي بالنسبة للكاتب بمثابة عصا الساحر التي يصعب عليه التحرك من دونها، كما أنها مثل سيف ساموراي، فكلما زاد صهرها زاد لمعانها وثراؤها وبريقها، وفي كتاباتي أهتم كثيراً بالبحث في اللغة العربية لإيجاد مفردات تتناسب مع طبيعة النص، والبيئة التي أنتجته، كما حدث في رواية «الفيل الأزرق» التي دفعتني إلى إجراء عمليات بحث موسعة في مكتبات متخصصة في الطب النفسي، وزيارات عيادات طبية ومستشفيات في هذا المجال». بدوره كشف محمد علوان أن علاقته مع اللغة تعتبر علاقة حب وكراهية وأضاف: «يعود ذلك إلى أن أولى محاولاتي في الكتابة كانت عن طريق الشعر الذي كنت أعتبره الجنس الأدبي الوحيد الذي سأكتب به، وعندما حاولت الدخول إلى عالم الرواية لم استطع التخلص من اللغة الشعرية في كتابة السرد، وهو ما أدى إلى إثارة نقاش كبير حول الأسلوب الذي كتبت به روايتي الأولى «سقف الكفاية»، حيث اعتبرها البعض فتحاً جديداً في الكتابة، فيما اعتبره البعض الآخر خروجاً عن السياق المألوف وتشويهاً للأسلوب السردي».وحول أكثر اللحظات التي يصل فيها الكاتب إلى اللذة والاستمتاع أشار مراد إلى أنه يصل إلى هذه الدرجة عندما يجد أن أحد نصوصه آثار في شخص غير مهتم بالكُتب شغف القراءة، أما علوان فيعتبر أن التفاعل والنقاش المباشر مع الجمهور من خلال وسائل الاتصال الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي من أكثر الأشياء التي تُشعر الكاتب بقيمة ما يكتب، سواء كان النقاش حول النص المطروح سلباً أو إيجاباً، ولفت إلى أن هذا النوع من التواصل مع القراء يبرز في كثير من الأحيان جوانب لم يفطن لها الكاتب من قبل.
نشر في الخليج 14049 بتاريخ 2017/11/04
أضف تعليقاً