«ألف ليلة وليلة.. الفصل الأخير» .. رسالة الشارقة التاريخية - الحبر والريشة والكتاب أصل المعرفة وبداية الحكايات


على مسرح يحلق فيه العارضون في الهواء، وتجري عليه الخيول، وفي عرض تتحوّل عوالمه من بحر هادر إلى قصور عالية، وصحراء قاحلة، ينقل العرض الفني «ألف ليلة وليلة: الفصل الأخير» جمهور يومه الأول إلى عوالم من الخيال والواقع.
في العرض، يلتقي فنانون من 25 بلداً في مسرح المجاز ليبوحوا عبر إيقاع أجسادهم وسحر أدائهم بسر القصص التي أنقذت حياة فتيات بلدة شهرزاد، وأعادت الأمل والحب إلى الأمير الغاضب شهريار.
ينقل العرض الذي يتواصل تقديمه عند التاسعة مساءً حتى بعد غد، جمهوره إلى مغامرات حيّة أبطالها أبناء شهرزاد الثلاثة: الأميرة فيروز، والأميران قادر وأمين، إذ يضرب البرق خشبة المسرح، ويحلق من أرضه طائر أسطوري ضخم يخرج من فضاء بحيرة خالد تاركاً ريشة خلفه، فيما يغطي جنيّ الحكايات سقف المسرح بضحكته وصوت السلاسل التي تزيد جسده.
ويبني العرض الذي جاء في مستهل فعاليات الاحتفاء بالشارقة العاصمة العالمية للكتاب 2019، مشاهده البصرية على 13 فناً من فنون الأداء، والموسيقى، والأكروبات، وفنون الضوء والظل. وتمضي المشاهد في إيقاعين: الأول قائم على التعبير الأدائي الحركي المنسجم مع عزف الأوركسترا المكونة من 51 عازفاً، والثاني قائم على صوت الراوي في العمل الذي يدفع العرض في منحى الحكاية ويقود أبطاله إلى مغامراتهم.
ويقدم العرض الذي جاء من إنتاج مسرح المجاز، وتنفيذ «مالتبل إنترناشونال» بالتعاون مع «7 فنجرز» و «Artists in Motion»، رسالته في مجموعة من الفنون التي يعبّر كل واحد منها عن ثقافة وحضارة قديمة ومعاصرة، إذ يظهر الغناء العربي بصوت الفنانة الجزائرية سعاد ماسي، والموسيقى والغناء الأرمني، ومقاطع من موسيقى التانجو الأرجنتيني، فيما يتابع المشاهد رمزيات من الأدب اليوناني القديم، وتعابير راقصة من الصين، والهند. ولا يكتفي العرض بذلك، إنما يقدم فنون «البريك دانس»، إلى جانب التعبير الأدائي المعاصر، ومشاهد من القتال البرازيلي الراقص.
وتروي حكاية العرض قصة شهرزاد التي طلبت من زوجها شهريار أن يجمع أبناءه الأميرة فيروز، والأميرين أمين، وقادر، إذ توزع عليهم لفائف جلدية تحمل كل منها مهمة جلب شيء محدد، لتكشف لهم بعد إنجاز المهمات بنجاح عن سر الحكايات التي روتها، وتقدم لهم خلاصات حكمتها ومعرفتها.
ويبدأ العرض بقصة الأميرة فيروز التي خرجت بمهمة إلى حديقة الدمع، حيث تجد أميراً يعيش حزناً وكآبة قاسية بعد أن حلت على محبوبته لعنة حولتها إلى شجرة مقسومة إلى نصفين يعيش في كل نصف منهما جانب من محبوبته.
وتتجسد مهمة فيروز في فك تلك اللعنة للحصول على ما طلبته أمها، إذ تقنع الأمير الحزين بأنه يعاني كل ذلك لأنه لا يحزن سوى على نفسه، ولم يحزن على محبوبته، فتخرجه من ذلك بقولها: «عليك أن تتبنى الحب، وتؤمن بالأمل والتسامح»، ليبدأ برؤية شجرة محبوبته وتحريرها، فتلتئم الشجرة وتخرج محبوبته له، وتحصل فيروز على رحيق الشجرة بعد فك لعنتها، فتكتشف أنها حصلت على قارورة حبر.
ويتواصل العرض مع حكاية الأمير قادر الذي تكلفه شهرزاد بالإبحار نحو الجزر الصامتة، حيث توقف الزمن، إذ يواجه مخاطر السفر في بحار هادرة وليالٍ عاصفة، ليكسر جمود الزمن ويلتقي بالكائن الأسطوري الذي سيهديه شيئاً عزيزاً عليه، وهناك يواجه الأمير العديد من المصاعب، ويتغلب عليها فيظهر له طائر الفينيق الأبدي الذي تقول الأسطورة إنه يولد من رماد احتراقه، وتتجدد حياته مع كل اشتعال، إذ يمنح الأمير ريشة من جناحه.
وفي المهمة الثالثة للأمير أمين، يخرج نحو الوديان القاحلة للحصول على غرض يحوي المعارف التي يحلم المرء بامتلاكها. ويواجه هنالك جنياً غامضاً يرشده إلى غرضه، لكنه يشترط عليه الإجابة عن عددٍ من الأسئلة التي تكشف بديهة وفطنة الأمير، فيسأله الجني: «كلها تجرح لكن الأخيرة تقتل»، فيجيب الأمير الساعة.
وتتواصل الأسئلة حتى يرشده إلى غرضه ويدخل الأمير في مكتبة ضخمة يصعد فيها على برج من الكتب ليصل إلى الغرض الذي يكتشف أنه كتاب.
ويعود أبناء شهرزاد إليها، لتخبرهم برسالتها الأخيرة، وتقول لهم إن حكايتها الأخيرة هي حكايتهم هم، وإن ما حصلت عليه الأميرة فيروز هو الحبر، الصديق الدائم للريشة التي حصل عليها الأمير قادر، وهاتان الأداتان هما ما يملآن الغرض الذي يحوي المعارف كلها: الكتاب الذي حصل عليه الأمير أمين، فتطلب منهم أن يكتبوا حكايتهم، ليتواصل مشوار الكتاب والمعرفة.
تجسد أزياء الفنانين الذين شاركوا في العرض محوراً رئيسياً في مشاهده العمل؛ إذ صممها 75 فناناً، لتعكس أجواء حكايات ألف ليلة وليلة. وتظهر الفساتين الملونة والتيجان وعمائم السلاطين والأمراء، والقمصان المزخرفة، التي تعرض صورة من فنون الحضارات الشرقية.
يحرص العرض على نقل المشاهد إلى عالم من المتعة البصرية المدهشة التي تقربه من الواقع مرة، وتنقله أخرى بعيداً نحو الخيال، ففي الوقت الذي يتحول فيه المسرح إلى قصر على الطراز الإسلامي، تتدلى الحبال والسلاسل من سقف المسرح، ليتحول العرض إلى حوار طائر بين أجساد الفنانين.
العرض الذي يقدم بالعربية والإنجليزية والفرنسية، يستعيض عن السينوغرافيا بالضوء، متجاوزاً ثقلها على خشبة المسرح، إذ يتبدل مكان العرض وزمانه بالضوء، فيتحول من قصر بأعمدة وأقواس وحدائق وجنان، إلى أدغال موحشة وكهوف غائرة، ومن بحر هادر يعصف الموج به إلى قصر مهجور معتم.


نشر في الخليج 14585 بتاريخ 2019/04/25


الرابط الإلكتروني : http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/a196b5d2-f396-46f8-8796-3dcd89b05ef2

المزيد من الأخبار في من كل زاوية خبر- الخليج 14585

شارك هذا الخبر مع أصدقائك تويتر فيسبوك جوجل


أضف تعليقاً

تعليقات الزوار


التبراة : والجمع ( تباري ) وهي المغاصة التي يكثر في قاعها المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ . فيقال ( المركب عنده تبراه ) أي وجد مغاصة يكثر فيها اللؤلؤ في قاعها الرملي . وقيل أن مناطق ( التبراة ) تسري ليلاً من مكان إلى آخر ، وأن المحار يطوف على سطح البحر ، فيلمع وكأنه ألوف المصابيح الدقيقة المنثورة على سطح البحر ، فتلاحقه سفينة الغوص حيثما ذهب . ( معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة )

التبراة : موقع إماراتي يتناول مئات المواضيع التي تضيء شعلة حب الكتاب لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة ( شخصيات وهيئات ومؤسسات ) في نشر ودعم الكتاب على مستوى العالم وبكل اللغات . كما يعرض لأكثر من ألف عنوان كتاب يتم نشره سنوياً منذ بداية الألفية الثالثة .

ملاحظة : الموقع عبارة عن قاعدة معلومات فقط و لا يتوفر لديه نسخ من الكتب .

عداد الموقع

الكتب
33237
المؤلفون
18419
الناشرون
1828
الأخبار
10147

جميع الحقوق محفوظة - موقع التبراة