«بيبي فاطمة» لسلطان تقود القارئ بين ردهات التاريخ


استضاف اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، ضمن فعاليات نادي القصة بمقره في قناة القصباء د.منّي بو نعامة مدير إدارة المحتوى والنشر في معهد الشارقة للتراث، في محاضرة حول رواية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، «بيبي فاطمة وأبناء الملك»، تناول خلالها «الحبكة والسرد التاريخي»، فيما أدارت الندوة د. مانيا السويد.
مهد بو نعامة في حديثه عن الرواية بتبيان العلاقة بين السرد والتاريخ، والتي وصفها بعلاقة تكامل لاعتمادهما الحكي والاسترجاع والعودة إلى الماضي تقنية ووسيلة، وتتمثل أبرز أوجه العلاقات بين السرد والتاريخ في «الحبكة»، أو ما يصطلح عليه أيضاً «العقدة»، وهي التي تفرض وجود تنظيم متتابع للأحداث وفق: بداية، وسط، ونهاية.
أشار بو نعامة إلى مكامن الاختلاف بين الرواية والتاريخ، وهي التي تتمثل في طبيعة الأحداث فيهما، حيث إنه لا يحكمها في التاريخ منطق خاص، وإنما يحددها الزمن التاريخي المتسلسل والواقعي، بينما في السرد تخضع هذه الأحداث لمنطق الراوي أو البطل.
وأكد بو نعامة أن هذا الترابط بين السرد والتاريخ يتجلى بوضوح في رواية «بيبي فاطمة وأبناء الملك»، والتي تسرد تاريخ مملكة هرمز ابتداءً من العام 1588 حتى 1622 بانتهاء الاحتلال البرتغالي وهزيمتهم أما الإنجليز، فالرواية تطرح العديد من القضايا المهمة التي تتّصل أو تتواصل مع الإطار التاريخي والجغرافي الذي تنتظم فيه، وتكشف فصول الرواية الخمسة عن مراحل متقدمة من تصاعد السرد متكئة على أحداث متلاحقة، ورغم صغر حجم العمل الروائي إلا أنه جاء شديد العمق ويستند إلى أكثر من 35 مصدراً تاريخياً ووثيقة.
وتناول المحاضر بداية أحداث الرواية في العام 1588 بلقاء بيبي فاطمة، بطلة الرواية بأبناء الملك فروغ شاه الثلاثة (فيروز شاه، توران شاه، محمد شاه)، وقد تزوجتهم جميعاً في فترات متعاقبة، الأمر الذي أكسبها ثلاث حيوات، قبل أن ينتهي بها الأمر هي وزوجها الأمير محمد شاه لاجئين في مدينة أصفهان، وقد تخلل هذه التسلسل الطويل للأحداث العديد من الصراعات القوية والدامية في هرمز على حكم البلاد، وبطبيعة الحال فإن السرد يتناول خلال عملية الصراع الجانب السياسي وطغيانه على مشهد الرواية.
وتوقف بو نعامة عند مستهل الرواية، حيث أن صاحب السمو حاكم الشارقة قد افتتحها بعتبة كاشفة وشارحة لكنهها وطبيعتها وموضوعها، حيث يقول: «هذه رواية تحكي قصة امرأة طموحة، تتشبث بحكم ملوك هرمز الزائل في ظل الاحتلال البرتغالي لمملكة هرمز. وقد تم من خلالها الوصف التفصيلي للحياة الاجتماعية في هرمز، مع عدم إغفال الأوضاع العسكرية والسياسية والاقتصادية، فقد تم ذكرها دون تفصيل، حتى لا ننساق وراءها، فنخرج من سياق الرواية».
ويرى بو نعامة أن هذا العمل لا يمكن أن يوصف بالقصة الطويلة أو الرواية القصيرة، بل ربما هو ينتمي إلى الجنس الأدبي المعروف عالمياً وهو «النوفيلا»، لكونها شديدة العمق والتكثيف والإحكام. ولفت بو نعامة إلى أن عبقرية العمل يكمن في أنه قد تضمن معلومات دقيقة ثرية بترابط فني وتقني، الأمر الذي يشير إلى المقدرة المتناهية لصاحب السمو حاكم الشارقة في استحضار وتوظيف التاريخ في الكتابة السردية، متوقفاً عند وصف المدن، والأماكن، والشخصيات، وأحوال السكان وحياتهم وأوضاعهم، كما وثقت أحداثاً مهمة بأسلوب مميز، وكأننا نقف من خلال البناء السردي للرواية على صيغة جمعت بين البناء المسرحي والسيناريو الذي يحقق المعايشة للقارئ حيث يصف سموه مسرح الحدث، ويأخذ القارئ من يده وعقله إلى المشهد، ومن ثمّ ينسحب تاركاً القارئ مندمجاً مع الأحداث.
وتوقف بو نعامة باستفاضة عند الشخصية المحورية في الرواية «فاطمة» أو «حبيبة نور الدين»، أو «بيبي فاطمة»، والتي يصفها بالشخصية التراجيدية، وتمر بالكثير من التقلبات حيث تقرّر اعتناق النصرانية للتخلّص أو الهروب من زواج لا تريده في ذروة مأساتها وحزنها على زوجها؛ فهي «مطلقة فيروز شاه، وأرملة توران شاه، وزوجة محمد شاه»، ثم ينقلنا بو نعامة إلى مشهدية لافتة في السرد مع بيبي فاطمة وهي تخاطب الحشود حولها من الناس، وتجر أولادها بيد، وبالأخرى ترفع مصحفاً، وبصرها إلى السماء، وهي تدعو ربها قائلة: «إلهي.. أنا بيبي فاطمة، حفيدة رسولك إلهي بحق رسولك الكريم.. أن تزلزل أقدامهم وتحطم جيوشهم».
ويبحر بو نعامة في عمق الجوانب الفنية للعمل، حيث إن البناء السردي والتاريخي للرواية يعكس بجلاء قدرة صاحب السمو حاكم الشارقة الكبيرة على ارتياد عوالم السرد، ونسج خيوطها بلغة سلسة وشفافة تنتظم ضمن «السهل الممتنع»، فالرواية تنهض على لغة ممتعة، ومقدرة متفردة على الرصد والتصوير وهي التقنيات التي أثرت العمل السردي كثيراً، ونجح بها سموه في تصوير العوالم التاريخية والسياسية، كما تكشف عن حسه التاريخي المرهف الإبداعي المتميز، فضلاً عن خبرته ودربته ومراسه في الكتابة ودراسة التاريخ استناداً إلى الوثائق الحقيقية التي أماطت اللثام عن صورة «بيبي فاطمة» وقصتها التراجيدية كإحدى النساء الشهيرات في تاريخ جزيرة هرمز.


نشر في الخليج 14812 بتاريخ 2019/12/06


الرابط الإلكتروني : http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/7057c4d1-18fd-4106-8060-f5bf026ded82

المزيد من الأخبار في الأنشطة والفعاليات- الخليج 14812

شارك هذا الخبر مع أصدقائك تويتر فيسبوك جوجل


أضف تعليقاً

تعليقات الزوار


التبراة : والجمع ( تباري ) وهي المغاصة التي يكثر في قاعها المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ . فيقال ( المركب عنده تبراه ) أي وجد مغاصة يكثر فيها اللؤلؤ في قاعها الرملي . وقيل أن مناطق ( التبراة ) تسري ليلاً من مكان إلى آخر ، وأن المحار يطوف على سطح البحر ، فيلمع وكأنه ألوف المصابيح الدقيقة المنثورة على سطح البحر ، فتلاحقه سفينة الغوص حيثما ذهب . ( معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة )

التبراة : موقع إماراتي يتناول مئات المواضيع التي تضيء شعلة حب الكتاب لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة ( شخصيات وهيئات ومؤسسات ) في نشر ودعم الكتاب على مستوى العالم وبكل اللغات . كما يعرض لأكثر من ألف عنوان كتاب يتم نشره سنوياً منذ بداية الألفية الثالثة .

ملاحظة : الموقع عبارة عن قاعدة معلومات فقط و لا يتوفر لديه نسخ من الكتب .

عداد الموقع

الكتب
33331
المؤلفون
18463
الناشرون
1828
الأخبار
10191

جميع الحقوق محفوظة - موقع التبراة