آخر الأخبار
Altibrah logo
header shape

وصف الكتاب

هواجس شجرة نسيتها الريح

سنة النشر :

2025

عدد الصفحات :

80

ردمك :

9789948668985 ISBN

الوسوم

شارك مع أصدقائك

مشاركة facebook icon مشاركة x icon
QR code scanner

استخدم كاميرا هاتفك لفتح هذه الصفحة عن طريق مسح رمز الاستجابة السريعة (QR).

هواجس شجرة نسيتها الريح

ملخص

ضمت المجموعة 95 مشهداً قصصياً التقطتها عن مشاهد الحياة اليومية، من بينها: شجرة الجوز، ظل الماء، خيالات حلم، وكانت أمي، هلوسة، وشاية، تراتيل نهر، أصابع تائهة، تقاسيم الغياب، العرافة الغيرى، صيرورة، عودة، ذاكرة حياة، رؤى، تكة.. تكة، حيرة، وساوس قلب، ما كان بيننا، لوحة، نسيان، شغف، يمام، رقص، عالمي، رقصة ريح وغيرها من النصوص التي حافظت فيها عباس على تقنية تكثيف المعنى واللغة الشعرية.
ورغم أن المجموعة تنتمي شكلاً إلى حقل القصة القصيرة جداً، إلا أنها في جوهرها رحلة تأملية عميقة في الطبقات الداخلية للذات، رحلة تتخذ من الطبيعة سنداً رمزياً، ومن الشجرة على نحو خاص مرآة أنثوية تعكس هشاشة الإنسان، ورغبته في العناق والنجاة، فالشجرة هنا كيان محمل بالرمزية يتدفق منه معنى الأمومة والرعاية والخصوبة، وتلوذ به امرأة تهرب من أثقال العالم لتبحث في جذورها عن توازن مفقود، وتبدو الشجرة في كثير من المقاطع في المجموعة، كأنها رفيقة الروح التي تنصت للبوح، وكأنها عقل ثان للمرأة وامتدادها الحسي والروحي.
هذه المجموعة للكاتبة تقوم على عدد من الثنائيات الوجودية، التي تعد من أهم محددات الصراع الداخلي في الكتابة القصيرة المكثفة: الشوق والغياب، الذات والآخر، الثبات والزوال، الحضور والظل، إلا أن الخيط الأكبر الذي تسعى الكاتبة إلى نسجه هو الحب بوصفه المعنى الأصلي، والجوهر الأول والمنقذ الأخير من فوضى الأيام واغتراب الروح، فالحب في نصوص عباس شريعة إنسانية خلق الله البشر عليها، وجعل بينهم المحبة عبادة خالدة لا ترتبط بزمن ولا مكان، هذا الإيمان العميق بإنسانية الحب ينعكس في معظم النصوص، فيتحول الحب من حالة شخصية إلى طاقة فطرية تعيد للذات تماسكها وقدرتها على الاحتمال.
ومن جهة أخرى، تذهب الكاتبة إلى تثبيت رؤية شعرية لافتة مفادها بأن «الشجرَ نساء» وذلك في نصها الذي حمل عنوان «شجرة الجوز»، فالوجود الأنثوي في المجموعة وجود بنكهة العطاء، ثابت ومنحاز للحياة، لكنه في الوقت نفسه محاصر بالشوق والقلق، مسكون بالرغبة وبهاجس الاكتمال، كما يظهر في نصوص مثل، «تقاسيم الغياب»، «المزدحمة» وغيرها، كما تقوم عباس بعملية أنسنة للشجر والحجر والريح، فتجعل لكل عنصر نبضاً وسيرة، وتجري بين الموجودات حوارات صامتة توحي بأن الكون كله يتحرك على إيقاع واحد، وإن اختلفت الثيمات، ويلاحظ القارئ أن الكاتبة تستخدم هذا التماهي بين المرأة والشجر والريح وغيرها لتقديم قراءة مختلفة للأنوثة، أنثى تفهم قوتها عبر جذورها، وتعيد تعريف هشاشتها وتمايلها على أنهما شكل من أشكال البقاء.
وعلى الرغم من أن نصوص الكتاب تتوزع على ومضات قصيرة جداً، إلا أن القارئ يلمح خيطاً عاطفياً يربطها ببعضها، كأنها حكاية واحدة تروى على دفعات، هذا الخيط يتمثل في صوت امرأة-شجرة تتماهى مع الحبيب، أو في ظل، أو حتى حبة تفاح، ويبدو هذا الصوت كأنه يروي حكايته من داخل العاصفة العاطفية، أو من فوق غصن معلق بين الأرض والسماء، حيث تتقاطع رغبة الأنثى في الاحتواء مع رغبة العالم في ابتلاعها، فيمنح هذا التماهي النص إيقاعاً داخلياً يذكر ببنية القصيدة الطويلة التي تتنفس على مراحل، رغم تجزئتها الظاهرية.
تكمن خصوصية هذه المجموعة في اعتماد الكاتبة على مستويات عالية من التكثيف والترميز، وهو خيار أسلوبي صعب، لأن القصة القصيرة جداً لا تحتمل الزوائد، وقد اختارت انتصار عباس أن تجعل كل جملة ضربة شعورية، لها نبضة دلالية، فابتعدت عن السرد التقليدي، واتجهت نحو الكتابة التي تراهن على ومضة تكسر الصمت، وتفتح الباب للخيال، ولعل هذا ما يجعل تجربتها أقرب إلى الكتابة الأدبية الفلسفية، حيث تقف كل فقرة كأنها حكمة صغيرة أو لحظة انكشاف.
كما تستخدم الكاتبة رموزاً بسيطة ظاهرياً لكنها مشحونة بطبقات نفسية وفلسفية عميقة، مثل: شجرة والتي تمثل الجذر والامتداد، العطاء طبيعة أنثوية أصيلة، التمرد في محاولة لانتزاع الهوية، الاغتراب، باعتباره قدراً إنسانياً، الظل برمزيته التي تمثل التوحد والبحث عن الذات المفقودة في الآخر، هذه الرموز جاءت بلغة بلاغية، لتغدو محددات قياس نفسية تلتقط ارتجافات الروح وتحولاتها.
تجلت قدرة الكاتبة على الغوص في عمق الحالة الوجودية للإنسان عبر لقطات حادة ومكثفة في كثير من المقاطع، وفي اشتغال على الهامش الزمني والوجودي لتمنح النصوص بعداً تأملياً إضافياً، وتخلق حالة من التوتر تسمح للخيال بأن يتدخل ويعيد تشكيل الواقع، لتضع الإنسان أحياناً على حدود العالم، لا في داخله تماماً.
لغة المجموعة هي السمة الأبرز التي تلفت القارئ منذ الصفحات الأولى، فقد رفعت انتصار عباس القصة القصيرة جداً إلى مرتبة قصيدة النثر، مستندة إلى لغة شعرية عالية، مفعمة بالاستعارات والجرأة البلاغية، والخيال الذي يكسر المألوف، ومن بين الصور اللافتة في النصوص:
«شاخ فرحي، لم يعد يستهويه عرجون ابتسامتي ولا قهوة عيني»
«ما زلت أخفي بذور عينيك في أعماق صدري»
هذه الصور المبتكرة عملت على بناء المشهد الداخلي، لتعطي القارئ إحساساً ملموساً بالحركة الوجدانية الشعورية.
أما جمالية التكثيف فتتجلى في ما يعرف ب«الاقتصاد اللغوي» الذي تبنته الكاتبة، حيث اتكأت على جمل قصيرة نابضة بإيقاع موسيقي محسوب، يوجه المعنى مباشرة نحو جوهر الفكرة من غير استطراد أو ترهل لغوي، هذا النوع من الكتابة يضفي على النصوص طاقة داخلية وإيقاعاً خفياً يربط بين الجملة والإحساس، ويمنح القارئ متعة متواصلة تحفزه على التعمق في المعنى قبل الانتقال إلى الجملة التالية.
وتعتمد الكاتبة على مفردات بليغة مشبعة بالإيحاء والدلالة، تمتلك حضوراً بصرياً ووجدانياً في آن واحد، حيث يمكن لكلمة واحدة أن تشكل مشهداً كاملاً، أو تفتح أفقاً واسعاً من التأويل، ولعل قوة هذه المفردات تكمن في قدرتها على تجسيد المشهد الكلي من خلال جزء صغير منه، فيتحول الجزئي إلى ممر للحسي والرمزي معاً.
في المقابل، تكشف المجموعة عن حس أنثوي عميق لا يتوارى خلف اللغة، بل يتقدم بثقة ووعي وجودي، بعيداً عن فخ الشكوى أو التبرير، فالمرأة في هذه النصوص ليست ضحية، هي كائن مثقل بالأسئلة، متعب من الصراع، لكنها متصالحة مع الألم. هي صامتة كجذع شجرة قديم يعرف أن الريح ستمر مهما طال الزمن، وتحمل في سكونها حكمة مكتنزة تمنح النصوص نبرة تأملية هادئة، تميل إلى الفهم والمصالحة أكثر من الميل إلى المواجهة.
https://www.alkhaleej.ae/2025-12-15/%D9%87%D9%88%D8%A7%D8%AC%D8%B3-%D8%B4%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%AB%D9%86%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AC%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D8%A9-6222921/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9