سنة النشر :
2002
عدد الصفحات :
90
تقييم الكتاب
دراسة تاريخية تحليلية وموضوعية في الوقت نفسه. واتبعت الدراسة الظروف والملابسات التي ادت الى أن تشكل منطقة البلقان لوحة فريدة من الفسيفساء للاجناس والاعراق لا يوجد نظير لها الا في الهند، بمعنى أن الدراسة تتبع عمليات انتقال وتنقل ونقل الاعراق الجنسية والتركيبة الديموجرافية في هذه المنطقة وحروبها وصراعاتها والى ما انتهت اليه جمهورية يوغسلافيا السابقة من تفكك في بداية العقد الاخير من القرن الماضي، وما صاحبها ولحق بها من حروب عرقية ابادية وحشية وصمت القرن كله والحضارة الغربية ايضا. ورسمت الدراسة صورة واضحة لتطور المشكلة العرقية في دولة يوغسلافيا السابقة والتي اوجزها الرئيس اليوغسلافي «تيتو» في التعددية المتعددة الاوجه والعناصر، فمن حيث العقائد تضم ثلاثة اديان «الارثوذكسية والكاثوليكية والاسلام»، ومن حيث الامم تضم «الصرب والكروات والسلافيين والمقدونيين» ومن حيث اللغات تضم خمس لغات «السلافية والصروبوكرواتية والمونتجرية والمقدونية والالبانية»، ومن حيث الحكم تضم ست جمهوريات «سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة، والهرسك والجبل الاسود» «مونتجرو»، وصربيا ومقدونيا. وقالت الدراسة ان يوغسلافيا كانت تحت حكم الرئيس تيتو الذي استطاع أن يفرض التعايش والتماسك على الجميع بفضل تاريخه النضالي وشخصيته القوية وعلاقاته الدولية ووضعه في مجموعة دول عدم الانحياز مشيرة الى ان انفجار الصراع العرقي في البلقان او بالتحديد في دولة يوغسلافيا السابقة منذ اوائل التسعينيات من القرن العشرين لا يصح رصده وتحليله بناء على ما يحدث الان او في الماضي القريب، ولكن يجب علينا الخوض في الاعماق والوصول الى الجذور، فإن اية محاولة للفهم يجب أن تكون بتقصي وتتبع تلك الجذور. واوضحت الدراسة ان البعض يظن أن تلك الجذور تبدأ بتدهور احوال الامبراطورية العثمانية وانهيارها وتوزيع تركة «رجل اوروبا المريض»، كما كان يطلب عليها ولكن المتقصي للحقائق عليه أن يعود بالتاريخ الى دخول العثمانيين هذه المنطقة وليس خروجهم منها. فقد كان دخولهم هذه المنطقة من شرق اوروبا ومكوثهم فيها قرابة الخمسة قرون ثم خروجهم منها ثم المحاولات التالية للوحدة التي تمت تارة تحت راية «السلافية» وتارة اخرى تحت راية الشيوعية ومعاداة الرأسمالية الى أن بدأ التفكك وانفجر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتغير النظام العالمي الى نظام القطب الواحد. وتقدم هذه الدراسة عرضا شاملا لمختلف التطورات التي شهدتها البلقان منذ بدايات تشكل نواة دولة «اراشكا» مرورا بالتواجد العثماني وبمختلف الثورات الماضية، وتقف مليا عند الصراعات الناجمة عن تفكك يوغسلافيا في عام 1991م وما افرزه ذلك من محاولات يائسة ترمي الى اعادة رسم خارطة جديدة في المنطقة تقوم على اساس التطهير العرقي الذي مارسته القوات والميليشيات الصربية والكرواتية وتسبب في ترشيد مئات الالاف من الاطفال والنساء ولجوئهم الى الدول المجاورة للمنطقة. كما تكشف الدراسة أن البلقان شكلت عبر التاريخ بحكم موقعها الجيواستراتيجي كمعبر بين الشرق والغرب وملتقى للحضارات والديانات والاعراق، مسرحا مفتوحا على كل الاحتمالات، فهي للتعايش حينا وللاقتتال في اغلب الاحيان، فما تخمد ثورة فيها حتى تندلع اخرى لكنها من كل ذلك اثبتت قدرة على تجاوز الالام ورسم افق جديد يتماشى مع واقع المرحلة، واملاءات الزمن التي تخضع بدورها في النهاية لارادة شعوبها في الاستقرار والامن والسلام وطي صفحات الدماء والاحقاد.
https://www.albayan.ae/across-the-uae/2002-04-14-1.1328667
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك