الفرضة وحكايات أخرى


تأليف :

الناشر : دبي : قنديل للطباعة والنشر Qindeel Printing & Publishing services

سنة النشر : 2020

عدد الصفحات : 240

ردمك ISBN 9789948354086

الوسوم - أدب

تقييم الكتاب

شارك مع أصدقائك تويتر فيسبوك جوجل


عديدة هي الكتب التي تتناول التراث وتغوص في لجج الماضي لتلتقط من أعماقه لآلئ العراقة والأصالة التي عاش عليها الآباء والأجداد، غير أن الكاتب والأديب محمد سلطان العويس ينتهج منحى قد يكون متفرداً في الكتابة عن الماضي بقلم يستذكر من خزائن الذاكرة صوراً وحوادث مرت على الكاتب من خلال تجاربه الحياتية، ليترجمها في كتابه «الفرضة وحكايات أخرى»، الصادر عن «قنديل للطباعة والنشر» إلى قصص قد لا يكون لها أصل في الواقع بمعنى التوثيق التاريخي المعهود في الكتابات التاريخية، بيد أنها تعود بالقارئ إلى الأيام الخالية التي مرت على هذه الأرض الطيبة؛ يجالس فيها كبار السن ويطوف مع الأطفال في الفريج وهم يمرحون بوسائل بدائية كانت تضفي على الحياة بهجة افتقدها الناس في هذه العصور التي طغت عليها عوامل النهضة الحديثة، واختطفت من أذهان الأجيال كل ارتباط مع الماضي.
يحاول محمد سلطان العويس أن يستعيد سجلاً حافلاً بالذكريات والأحداث والأشخاص الذين جسدوا روحاً لأيام زمن جميل مضت دون أن توثقها وسائل الإعلام الحديثة وكاميرات الأجهزة الذكية التي استحوذت على عصر الثورة التكنولوجية. هي أيام وأشخاص هضمهم التاريخ حقهم في التدوين، كما جارت عليهم الحضارة الحديثة التي قامت على الكثير من أنقاضهم، دون أن تسترعيها جماليات تلك الأزمان وطيبة أولئك الناس الذين كدوا وتعبوا وعانوا أضعاف ما نعانيه نحن في سبيل تأسيس البلاد التي عشنا على خيراتها، واستنشقنا نسائمها وغذَّتنا بلبانها وأسست لنا حضارة نعتز بها. وللأسف فإن الحداثة لم تحفظ عهد الوفاء لكثير من الشواهد الناطقة بأمجادنا وتراثنا.
من هذا المنطلق يغوص الكاتب الإماراتي محمد سلطان العويس في أعماق الماضي الأصيل ليعيد شريط الذكريات إلى الوراء؛ في خواطر تلتقط في أغلبها من لآلئ منطقة دولة الإمارات العربية المتحدة سرديات وقصصاً مشحونة بالشوق إلى عوالم لا يزال الكثير من آبائنا وأجدادنا يذكرون تفاصيلها ويحنون إليها، لتمثل تأريخاً أدبياً إبداعياً، يحفِّز ذاكرة الآباء الذين عاشوها، ويحمل مشاهدها إلى الأبناء الذين غيَّبت عنهم يد الحداثة والمعاصرة كثيراً من تلك المشاهدات وجمالياتها.
ويمثل كتاب «الفرضة وحكايات أخرى» مخزوناً من الصور المعبرة عن أحاسيس ومشاعر عربي يعتز بتاريخه ويرفع رأسه بتراثه وأمجاده. إنها خطوة بالغة الأهمية وتجربة إبداعية نأمل أن تستمر في توثيق الأيام الخالية برؤية أدبية تؤرخ لأناس عزَّ نظيرهم؛ سواء أكانت قصصاً من نسج الخيال، أم لها أصول على أرض الواقع. ومن هنا كان «الفرضة وحكايات أخرى» آلة غزل تنسج من الماضي حللاً أدبية تستمد منها الأجيال جذوة العمل والإصرار لإكمال مسيرة الآباء والأجداد، والتأسيس على جهودهم لبناء مستقبل مشرق، دون نسيان الماضي أو وأده.
يقول العويس: «في لحظات، يتلاشى الحاضر، يغيب في بؤر خلفية، ويطغى الماضي بكل مخزونه، فأشاهد فيلماً وثائقياً، يزخر بصور وحركة ونبض حياة. عديدة هي الأسباب التي تحفزه وتستدعيه ليدهمني وينقلني من عالم حاضر أنا أعيشه، إلى ماضٍ بعيد، لأعيشه من جديد، وأراه بوضوح؛ أعيش تفاصيله، وأتنقل بين مشاهده المختلفة.. ماضٍ ليس كله بجميل؛ بعضه يجدد الأحزان، أحاول جاهداً أن أتغافل عنه، وأتجاوز حقيقته وأحداثه؛ قد أنجح، لكن تبقى تداعياته تسري في كل خلايا تفكيري، فيخيم وقتها عليَّ حزن وينتابني كدر».
هل هو الحنين إلى الماضي ما يدفعني للعودة إلى تلك المحطات من حياتي؟ ربما يطول توقفي في بعضها، وإن كان عمرها لحظات، إلا أنها مشعة وواضحة؛ وأخرى باهتة لا تسترعي اهتمامي، فأتجاوزها مسرعاً.
قال محمد سلطان العويس: «الفرضة» وما فيها من حكايات هي في الواقع محطات مررت بها في حياتي، شيء من حقيقة، ضمنته شيئاً من نسج الخيال، لكنه خيال اعتمد على وقائع وأحداث مررت بها. «الفرضة» ليست توثيقاً تاريخياً تقليدياً، بل هي تجربة لتقديم حدث ما بقالب أدبي قصصي، ومحاولة، من خلال الكتابة، لرسم صورة تنبض بالحياة لذلك الحدث.
عندما تجرني قدماي إلى بقعة، كانت يوماً ما محطة في حياتي، فإن ما يتوارد في ذهني هو عهدها القديم بكل صوره وأشخاصه، بعبقها وشذاها، وذاكرتي، دائماً ما توقظها الروائح بشكل رئيسي، لتبدأ بعدها بالإفراج عما يُختزن فيها من صور وذكريات عن ذلك المكان.
من بين الحكايات التي أوردتها، تستأثر حكاية الفرضة بمكانة خاصة لدي، فقد ارتبطت بوالدي ودكانه في سوق مرشد، فمن ذلك السوق، وفي سن مبكرة اكتشفت عالماً جديداً ومختلفاً، ومن نافذة دكان والدي الخلفية، كنت أرقب التغيرات في خور دبي، شهدته عندما كان مجرى مائياً طبيعياً، وشهدت بعد ذلك عملية تعميقه ورصفه وازدياد الحركة فيه، كما كنت من تلك النافذة، أرقب الفرضة وبرزة الحاكم فيها.
الفرضة، التي أصبحت اليوم شبه منسية، في الواقع، هي النواة التي انطلقت منها دبي ببعدها التجاري والعمراني؛ فقد كانت الميناء الوحيد للإمارة آنذاك، وفيها كانت برزة الحاكم ومكتبه، ومن تلك البرزة، انطلقت المشاريع الكبرى، التي كان يحلم بها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي آنذاك، ويخطط لها، واستطاع بمصادر محدودة أن يبني مشاريع عملاقة، ويرسخ مكانة دبي لتصبح مركزاً تجارياً قل نظيره.
عندما تتوارد في ذهني تلك الصور الجميلة للفرضة، وأعيش لحظات في عالم اختفت ملامحه الآن، تنتابني أحلام بأن أرى الفرضة بمستودعها الكبير ومكاتب الحاكم وبرزته، أن أرى ذلك في الواقع كما كان يوماً ما، أن يعاد تأهيلها، لتصبح متحفاً؛ فمن تلك البقعة، انطلقت المشاريع الكبرى، وهي جديرة بأن تصبح مزاراً، يُذَكِّر بمن كان وراء عمران دبي. ثم إن ما أوردته من حكاية أخرى في هذا الكتاب (البوابة الزرقاء) وما أوردته في كتابي (خور دبي) من حكايات عن دبي القديمة، تصلح أن تكون مادة لمن يسعى أن يوثق فيلماً عن تلك الحقبة من تاريخ دبي.
ومن المحاسن في دبي أن هناك جهداً واضحاً للمحافظة على التراث وعدم المساس به، وهذا ما يحفز ذاكرتي، عندما أكون هناك، للغوص في الماضي واستحضار صوره والعيش فيه لبرهة من الزمن. والفرضة هي نتاج رحلة لي في ذلك الماضي.
https://www.albayan.ae/five-senses/east-and-west/2020-02-21-1.3783655



هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك

تعليقات الزوار


الفرضة وحكايات أخرى
التبراة : والجمع ( تباري ) وهي المغاصة التي يكثر في قاعها المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ . فيقال ( المركب عنده تبراه ) أي وجد مغاصة يكثر فيها اللؤلؤ في قاعها الرملي . وقيل أن مناطق ( التبراة ) تسري ليلاً من مكان إلى آخر ، وأن المحار يطوف على سطح البحر ، فيلمع وكأنه ألوف المصابيح الدقيقة المنثورة على سطح البحر ، فتلاحقه سفينة الغوص حيثما ذهب . ( معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة )

التبراة : موقع إماراتي يتناول مئات المواضيع التي تضيء شعلة حب الكتاب لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة ( شخصيات وهيئات ومؤسسات ) في نشر ودعم الكتاب على مستوى العالم وبكل اللغات . كما يعرض لأكثر من ألف عنوان كتاب يتم نشره سنوياً منذ بداية الألفية الثالثة .

ملاحظة : الموقع عبارة عن قاعدة معلومات فقط و لا يتوفر لديه نسخ من الكتب .

عداد الموقع

الكتب
33331
المؤلفون
18463
الناشرون
1828
الأخبار
10191

جميع الحقوق محفوظة - موقع التبراة