سنة النشر :
2020
عدد الصفحات :
589
ردمك ISBN 9789948385875
تقييم الكتاب
«السعي وراء السعادة» هي القصة الأكثر شهرة في أعمال الكاتب الأمريكي كريس غاردنر، تسرد أحداثاً مؤثرة حقيقية، عن أب بلا مأوى، نشأ ورعى ابنه في شوارع سان فرانسيسكو الفقيرة، وأصبح فيما بعد شخصية شهيرة من شخصيات «وول ستريت مانهاتن». هي رواية تتجاوز كونها مجرد مذكرات عن النجاح المالي الذي حققه غاردنر، وهي رواية تلخص جوهر الحلم الأمريكي، وتتسم بالصدق الشديد.
صدرت «السعي وراء السعادة» باللغة الإنجليزية في 2006، وصدرت بالعربية عن دار «روايات» من ترجمة فرح أبو التمن وتحرير أحمد العلي، وذلك في عام 2020، وجاءت في 447 صفحة، واشتملت على تمهيد وثلاثة أجزاء، حملت اثني عشر فصلاً وخاتمة، منها: قصة الحلوى، كآبة الحرمان من الأب، أين أمي، العالم الخارجي، صور من الحياة، رأساً على عقب، الحلم الكاليفورني، ورود في حي الغيتو، منطقة النفوذ، وجاءت الخاتمة بعنوان «أحلام ألف رجل».
في هذه الرواية، يخصص غاردنر أكثر فصول كتابه للحديث عن قصة معاناته، راصداً الظروف الصعبة التي واجهها خلال مشوار حياته، بينما يخصص الجزء الأخير من كتابه ليسرد جوانب من قصة نجاحه، والرواية تجسد سنوات كثيرة من تلك اللحظات التي عاشها طفلاً وفي مرحلة الشباب، قبل أن يصبح رجلاً ناجحاً ومهماً كما هو حاله اليوم.
*إلى الأمام سيروا
في تمهيد الكتاب الذي جاء بعنوان «إلى الأمام سيروا» يقص غاردنر رحلة كفاحه من الفقر الشديد حتى وصوله إلى قمة النجاح بقوله: «ولكي أجيب إجابة شافية عن طوق نجاتي الذي نور لي طريقي وأصبح سر نجاحي الذي تحقق لاحقاً، كان لا بد لي أن أعود إلى مرحلة طفولتي وأرجع برحلتي إلى الوراء وأقص حكاية أمي، كي أدرك أخيراً كيف انبثقت شعلة الحلم الذي في داخلي، قصتي هي قصة أمي».
*سرد ممتع
ينجح كريس غاردنر في جذب القارئ إلى أسلوبه الممتع، منذ أول فصل في الرواية، وأكثر من ذلك، يجد هذا القارئ نفسه مشدوداً لمتابعة أحداث هذا العمل الأدبي متعاطفاً مع كاتبه، الذي يقدم في الرواية هذه فصولاً من أوجاعه وتقلبات وأحوال الظروف الصعبة التي عاشها، في مقابل ذلك الإصرار الذي كان يدفعه على الاستمرار في الحياة وتحقيق أحلامه التي يسعى وراءها، هذه الأحلام التي لخصها الكاتب بمفردة أو كلمة بسيطة هي «السعادة» -كما جاء في عنوان الرواية- التي استغرقت منه سنوات عدة حتى تحققت له فرص نجاح مثيرة ختمها بالنجاح الاجتماعي والمالي الذي يعيشه في هذه الأيام.
ولعل من المفيد في هذه العجالة، أن يتذكر القارئ خلال قراءته لهذا العمل الأدبي، ذلك التصوير الرائع لمشاهد عدة مر بها السارد (الراوي) خلال حياته، خاصة (في شقها البائس أو المؤلم)، حيث يتذكر بعض المواقف التي ينجح في تقديمها للقارئ كشريط سينمائي مصور، ولنقرأ على سبيل المثال تذكره لانفعالاته حين وقف أمام امرأة جميلة تبيع شراب (البان كيك) أو كما يطلق عليه (الوافل) وهو مزيج لذيذ من عدة أنواع من الشراب الحلو اللذيذ الذي يقدم بنكهات مثالية، كتلك التي تضاف لـ (الأيس كريم)، حيث يقدم الكاتب - الراوي وصفاً متفرداً لموقف من ذكريات الطفولة لصبي لم يتجاوز الثالثة من عمره، ولكنه موقف ليس ككل المواقف، فهو ينطبع في ذاكرته أكثر من غيره من المواقف: «كلما تذكره سالت مع لعابه نكهة شراب البان كيك، وهو لم يزل حاراً في المقلاة، وأصوات الطقطقة والفقاعات التي يصدرها الصوص، وهو يتحول بطريقة سحرية إلى تلك الحلوى المعدة منزلياً، وها هي تظهر في الصورة، امرأة جميلة جداً واقفة أمام الفرن، تعد ذلك السحر من أجله فقط. صاحب حضورها رائحة زكية أخرى وهي تلتفت نحوي، مبتسمة وتدنو مني، حيث أقف أنا في وسط المطبخ، أنتظر بلهفة مع أختي أوفيليا، ذات السبع سنوات، وطفلين آخرين».
*العالم الخارجي
ويتحدث كريس غاردنر عن جانب آخر من حياته، وقد بلغ من العمر نحو سبعة عشر عاماً، هو جانب يصور رحلته مع التجنيد العسكري، وهو موقف مليء كغيره من أحداث الرواية بمشاهد عدة تصور تحولات حياته، وهنا، في عالم مختلف يصفه الكاتب في الرواية بـ (العالم الخارجي) وهنا، أيضاً، يأخذ السرد الروائي منحى مختلفاً يناسب المرحلة العمرية للكاتب، ولكنه سرد لا يغادر المنطق الواقعي للأحداث والتجارب، وفي هذه المرحلة كان الكاتب يتطلع بل يرغب بشدة في زيارة الأماكن أو الأقاليم البعيدة عن مكان سكنه، حيث يعيش القارئ لحظات تذكر مع المجند كريس، التي بدأت رحلته عبر الطائرة، وكانت هذه أول مرة يسافر فيها على الإطلاق، ولكن بدلاً من أن يرسل كريس إلى معسكر تدريب بالقرب من قاعدة مثل «سان دييغو» أو «هاواي»، أتيحت له فرصة الاختيار ما بين الذهاب إلى البحيرات الكبرى المجاورة، أو «إلينويز»، أو «أورلاندو»، أو «فلوريدا». لكنه يفضل الذهاب إلى الوجهة الأبعد، متخيلاً أنها ستكون نقطة الانطلاق نحو كل تلك الموانئ الأجنبية.
*أعماق المجهول
يستمر كريس غاردنر في نقل الأحداث بكل أمانة وصدق، يؤكد ذلك ما أشار إليه هو شخصياً، وهو أنه يكتب عملاً واقعياً، استدعى منه تغيير بعض الأوصاف والأسماء الحقيقية للأشخاص الذين مروا في حياته، مع حفاظه على الجوهر الحقيقي لجو وروح تلك اللحظات التي شكلته، وفي فصل آخر من فصول الرواية، يصف حال المرارة التي بلغها رغم وصوله إلى السادسة والعشرين من عمره، فلا ضفاف جديدة في الأفق سوف تنقله إلى بر الأمان، حيث لا يزال يرتع في ظلال البؤس، وها هو بعد مضي هذه السنوات، يتحضر لتعلم الدرس من جديد، ويكون حذراً مما يتمنى كي لا يصبح حقيقة.. يقول: «بعد مضي ستة وعشرين عاماً من حياتي وأنا أقاتل عجزي مع حاجتي للسيطرة، وحاجتي لصفاء الرؤية، ألقيت بحماس ما تبقى لي مع سيطرة على مشاعري وقفزت عالياً نحو الفراغ لأسقط نحو أعماق مجهولة كانت تنتظرني في الأسفل».
https://www.alkhaleej.ae/2024-09-25/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%8A-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%85%D9%88%D8%AD-%D8%AC%D9%88%D9%87%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك