سنة النشر :
2021
عدد الصفحات :
471
ردمك ISBN 9789948348498
تقييم الكتاب
( صدر بدعم من مبادرة 1001 عنوان ) .
السرد الحقيقي هو الذي يثير الأسئلة داخل القارئ، الذي يجعله في حالة متواصلة من التأمل والتأهب لمعرفة المصائر، وهو كذلك الذي تتوفر فيه الدلالات والمعاني والعلامات التي يلتقطها المتلقي لكي تضيء له الكثير من الجوانب المظلمة والفجوات التي تركها المؤلف متعمداً احتراماً لقارئه الذكي، تلك هي الروايات التي تخلد في عقول وقلوب البشر لأنها أفلحت في رصد الواقع واقتربت من التعبير عن عوالم الإنسان المتنوعة.
رواية «العهود»، للكندية مارجريت آتوود، الصادرة في نسختها العربية عن دار روايات في طبعتها الأولى عام 2021، بترجمة: إيمان أسعد، هي بمثابة الجزء الثاني من رواية آتوود اللافتة «حكاية الجارية»، ففي ذلك العمل السردي المميز، طرحت الكاتبة الكثير من الأسئلة المتعلقة بالبطلة، استفهامات تخص المرأة وقضيتها بل وقضاياها، لتعود بعدها المؤلفة، بعد أكثر من 30 عاماً، على الجزء الأول، لتحاول الإجابة عن تلك الأسئلة الإنسانية الحارقة التي حيرت القراء، ولكن ماذا فعلت آتوود؟ لقد طرحت المزيد من الأسئلة، وذلك هو دور المثقف والكاتب، أن يطرح السؤال الصحيح لكي يشكل حالة من الاهتمام بالموضوع، وفي هذا الجزء تستعيد آتوود أجواء «جلعاد»، المدينة الدستوبية المتخيلة، وتعمل على التركز على الجوانب الخفية لبعض الشخصيات التي لم تفرد لها المساحة الكافية في «حكاية الجارية».
في الجزء الثاني من الرواية، يتابع القارئ مصير بطلة الحكاية أوفرِد، عبر ثلاثة أصوات نسائية مختلفة يكشف كلّ منها جانباً خفياً من جلعاد، والتي هي بمثابة فضاء وقعت فيه الأحداث، وجرت فيه التفاصيل العجيبة، حيث كانت البطلة في «حكاية الجارية»، على وشك الهروب من جلعاد إما نحو الفخ القاتل، أو الحرية في كندا، ليتابع القارئ تفاصيل تلك الرحلة في سرد ينهض على فكرة قيمة الرفض، رفض العبودية بشكل مطلق، واستعباد النساء واضطهادهن بصورة أكثر خصوصية.
وصفت حبكة الرواية بالاستثنائية، ذلك لكونها تقوم على العديد من التقنيات وبأسلوبية ذكية، ولغة تهز المشاعر، حيث يطرح العمل رؤية وقضية، ولابد من الاستعانة بكل الأساليب التي من شانها أن تؤثر في القارئ، وذلك ما فعلته الكاتبة تماماً، حيث نجحت في صناعة الصور والمشهديات والحوارات والمقاطع التي ستظل باقية في أذهان القراء، إضافة إلى صناعة الشخوص والنقاشات القوية بينها، إضافة إلى حوار الذات، ولئن كان الجزء الأول «حكاية الجارية»، قد خصص الجزء الأكبر لمقولات وقصص بطلة العمل، فإن هذا الجزء الثاني، هو بمثابة مسرح تتجول فيه بقية الشخوص، تروي حكايتها، ويقدم السرد إضاءات كافية عنها، فالجزء الثاني، هو بمثابة تكملة لمقولات مبتورة، أو كلمات لم تقل، إذ لم تشأ الكاتبة أن تجعل القارئ يركن إلى الحيرة التي خلفتها أحداث قصة «حكاية الجارية»، فكانت «العهود»، هي الضوء الساطع الذي سلط على الشخصيات وبعض الأحداث التي تترابط في السرد بطريقة مميزة، فعلى الرغم من تناثر الحكايات، إلا أنها تتجمع لتصب في المجرى العام لنهر الأحداث، ولسوف يدهش القارئ بتلك الجماليات الكامنة في توظيف الوصف المحيط بكل شاردة وواردة، والانتقال بين الماضي والحاضر، وإخفاء الفكرة والرؤية الفلسفية في ثنايا الحكاية من دون أن يخدش جمال السرد، بل يخدمه بصورة مميزة.
ولعل براعة الكاتبة في هذا الجزء الثاني تتضح بشكل أكبر منذ العنوان، كعتبة نصية مهمة، «العهود»، فهو يحمل معنى «الوصايا»، و«المواثيق»؛ أي ما يعمل الإنسان على تحقيقه من مبادئ، وذلك يتفق تماماً مع فكرة المؤلفة في «حكاية الجارية»، إذ تواصل آتوود، في هذا الجزء صرختها ضد الظلم والفساد، ضد الرجال الفاسدين في مدينة جلعاد، وتتعمق أكثر في تكوين فكرة متبصرة حول كيف تحول الذكور هناك إلى تلك الكائنات التي بلا قيم ولا أخلاق، وتمارس فعل الكشف عما وراء السلوك الذكوري المتجبر، انحيازاً لحياة النساء المضطهدات في تلك البقعة المتخيلة، فهؤلاء النسوة في هذا الجزء من الرواية لسن مستكينات على الإطلاق بل متمردات وثائرات، يستطعن تحقيق كثير من الإنجازات على رأسها الوقوف ضد حكومة جلعاد المتعالية المتغطرسة التي تمارس فعل الهيمنة الذكورية.
https://www.alkhaleej.ae/2024-08-14/%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF-%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B6%D8%B7%D9%87%D8%AF%D9%8A%D9%86/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك