سنة النشر :
2022
عدد الصفحات :
142
ردمك ISBN 9789948041368
الوسوم
-
أدب
تقييم الكتاب
يمزج كتاب «روحك والمدينة» لأحمد العسم، بين مستويين من النصوص، الأول: هو نص نثري شفيف، والآخر هو المستوى الذي ينتمي لقصيدة النثر، بما عرف عنها من إيحائية وتكثيف، في المستوى الأول يكتب العسم عن رحلة حيوية في روح وجوهر المكان، والذكريات، والمدن، والأصدقاء، والفريج، والعائلة، كأنه يستدعي كل هذه الأشياء مجتمعة ليقدم للقارئ طيفاً من حيوات ومشاعر دافقة بالحب والحنين. وفي المستوى الثاني يترجم العسم هذه الدفقات بلغة مواربة وإيحائية من خلال قصيدة النثر، ومن خلال شعرية خالصة تتدفق بالوجد والحنين والتذكر، وهو المستوى الذي عرف به العسم بوصفه من رواد الحداثة الشعرية في الإمارات.
حرص العسم –كما قلنا- أن يستهل نصوصه الشعرية المكثفة، بنصوص نثرية دافئة، كأنها طيف شعري مواز، لا يقل دهشة وروعة، بما فيها من كشف، ورقّة، وعذوبة في الصياغة والتعبير، وأيضاً في ما تحمله نصوص المستوى الثاني من دلالات، وعبر، ومعان، امتاز بها العسم في كل ما كتب من دواوين وقصائد إلى اليوم.
*النافذة والظل
«لا تفتح النافذة لا ترَ الظل» هو عنوان الباب الأول من هذا الإصدار الذي يستهله العسم بعبارة عن الذات، مقتبسة من جون دوي، وتقول: «الذات ليست شيئاً جاهز الصنع بل هي شيء دائم التكون عبر اختيار الأفعال».
ويقول: «هي الحياة أذهب صباحاً إلى البحر الذي وجدت ملوحته على جسدي، وعلى امتداده. تأملت كم أنا قريب من لحيته البيضاء عند الشاطئ، كما يفعل أقراني بعمر الشباب النشط، قوة في البدن وسعادة في الروح، نركل بأقدامنا الوقت، ويتطاير رمل سعادتنا فرحاً بنا، نبني بيوتاً في أحلامنا ونسكنها، للكبار احترام ولنا محبة في ابتساماتهم، كل بيوت الفريج بيوتنا، وكل الغرف لنا فيها سرير، وكل كتاب قرأناه في عيون وقلوب الناس.
*باب العائلة
في رحلة تستدعي ذكريات العائلة حيث الوالد والوالدة، ودورهما معاً في الأخذ بيد الابن، ومساندته في شغفه وطموحه، وفي سعيه لكي يكون كاتباً وشاعراً يكتب العسم تحت باب «العائلة سيرة شعرية كاملة»: «اشترى لي والدي كتباً وجاء لي ببعضها من سفره. على جدران غرفتي وضع المكتبة وعكست المرآة صورة الكتب من الداخل، حيث ساهمت هذه المكتبة في بناء وتكوين ذاتي».
ثم هو يتحدث عن والده فيقول: «والدي، رحمه الله، كان بعيداً في نظرته، أميناً على تأملاته التي أطلقها لأجلنا، أما تلك العظيمة والدتي، رحمها الله، فمنحتني القوة والمعنى الحقيقي للحب والتضحية والاستمرار».
ويضيف مستذكراً الأم: «أجمل من حمل مجموعاتي الشعرية وأهداها للناس بفخر واعتزاز».
وحين يترجم العسم ما سبق من خلال قصيدة النثر يقول: نصف النص على عاتقك يرمى يوماً آخر لم تعتده وأحياناً يطول فيك اليوم.
*طفولة على الشاطئ
ثم يواصل العسم في سرد سيرة العائلة وتأثيرها في مسيرته الشعرية والإبداعية بقوله: «العائلة كنز حقيقي، في «فريجنا» لي أصدقاء من نور، منهم تأتي الحروف ناصعة، وعلى شفاههم يسيل الكلام السكر، تذوب في معانيهم القلوب، وفي أعماقهم الأسرار تختبئ. الأصدقاء الذين نما في قلوبهم الأبيض، يمكنك معهم تفجير الأسى وطرد الكآبة، ويمكنك أن تشاهد طفولتك على الشاطئ كلما مررت عليه، فلا أحد يخونك.
ويتابع العسم: «وكلما أسندت ظهري إلى جدران أمكنة الطفولة، التصق في روحي الحنين وكتبت الأيام: أحاول الدخول إلى الحلم بأقل الخسائر الممكنة المدينة الغافية في رأسي تشبه كوخاً عائماً على الماء.
*في باب آخر بعنوان «سيرة ذاتية» نقرأ للعسم تحت عنوان فرعي «حارسة الباب»: «هناك في الفريج، كنت صغيراً.. لكن عينيّ تمرستا على التقاط صور للمكان. ولهذا.. بقيت أحملق في مفرداته، أجلس في ساحة الدار.. أراقب حركة أمي رحمها الله، وأدوّن أنفاسها، وأنتظر أقدام أبي رحمه الله، أسجل دخوله بقامته الفارعة وأرتمي في ربوع ابتسامته.
*شجرة اللوز
يستدرج العسم القارئ عبر هذا النص إلى حالة شعورية صادقة، حالة وجدانية، وشعرية تستدعي الحنين والشجن، وتستدعي دفتر العائلة، هذا المملوء بالذكريات، هو من دون شك دفتر الشاعر الذي يوقظ فيه الشغف، ويوقظ عنده كل أطياف الحب والمودة والصدق والتواضع والحنين، يستدعي ذلك كله، كحائط صد يواجه من خلاله حلكة اللحظة، وحلكة الراهن، وربما كل ما اختلج في وجدان الشاعر من أسى وحزن وتذكر، ليواصل طريقه مشفوعاً بالحب والبهجة واختبار معنى الحياة التي تستحق أن تعاش. يقول العسم: «مرات عديدة أتخير إحدى زوايا الفريج.. وأجلس.. أطلق لخيالي العنان: أتأمل أشجار السدر.. راوية حكايات الجدات وأسرار الزوايا الحادة والمنفرجة بين تعرجات الأزقة.. وعندما أحس بفحيح الضجر.. أشاكس شجرة اللوز.. حارسة باب منزلنا المتواضع، أهزها.. أحاول الوصول إلى قمتها.. حتى أعانقها وأغفوا.
في النص النثري السابق ثمة كشف، وثمة تصوير بارع لطفولة الشاعر، يحيل القارئ إلى شريط حياتي سينمائي يتنقل بين الأمكنة والحواري والأزقة.
وكأن العسم يرتاح لهذه الذكريات، فيؤثر أن يعيشها، ويؤثر أن يوفيها حقها فيسترسل بالقول: «عندما أستلقي على الرمل، لأغتسل بخيوط الشمس، وأتطهر بتغريد البلابل وعبق يوم جديد. أكتب المكان، ويكتبني، فنحيا. أحتاجه كما الأحبة.. ولولاه، ما استطعت ترتيب أوراقي.. ومنذ طفولتي.. أقذف بدهشتي على وجوه المارة، أسألهم: هل مرّ جدي على هذه الأمكنة؟ أسئلة كثيرة لدي.. كصبحي المتفجر في دمي، مثل عنوان».
في باب آخر من الكتاب بعنوان «بحر في الرمس» نقرأ: هل تعرفني يا بحر؟ أنا الذي في عام 1977، زرتك مع عائلتي، وصافحت موجة هادئة على شاطئك، ورميت لك بأسئلتي، وحركت دائرة كبيرة في قلبك، وحين غابت الشمس.. بكيت، لأن يومنا قد انتهى!.. أنا الذي ودعك، وابتسم لك، وحين عاد إلى منزله رآك حلماً.
.https://www.alkhaleej.ae/2022-10-18/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%85-%D9%8A%D8%B5%D8%A7%D9%81%D8%AD-%D9%85%D9%88%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%AD%D9%83-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك