سنة النشر :
2023
عدد الصفحات :
381
ردمك ISBN 9789948796107
الوسوم
-
أدب
تقييم الكتاب
يغوص كتاب «السرد في فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء.. آلياته ودلالاته» للدكتور أحمد علواني، في عالم النثر الأدبي في العصر المملوكي، باعتباره جزءاً أصيلاً من تاريخنا الذي امتد لأكثر من 200 عام، وذلك من خلال ما تركه الأديب والمؤرخ والرحالة المسلم أحمد محمد عبدالله إبراهيم، أبو محمد، شهاب الدين، وشهرته ابن عرب شاه الذي ولد في دمشق سنة 1389 وتوفاه الله سنة 1450م.
يحاول د. أحمد علواني في هذا الكتاب توجيه أنظار الباحثين، ولفت انتباههم للظروف السياسية والاجتماعية والثقافية المختلفة، التي تناولها ابن عرب شاه في كتابه بأسلوب الترميز من خلال ألسنة الحيوانات للتعبير عن المعاني والأفكار التي سادت في ذلك العصر، حيث عرف ابن عرب شاه ببراعته في الكتابة والنظم بالعربية والفارسية والتركية.
صدر الكتاب عن معهد الشارقة للتراث، وجاء في 381 صفحة من القطع الكبير، وتوزع على تمهيد وأربعة فصول وخاتمة.
رأى المؤلف في تمهيد الكتاب، أن يسلط الضوء على نشأة ابن عرب شاه وثقافته، والواقع السياسي الذي عاش فيه، وتأثره بظروف عصره، كما قدّم تفصيلاً مهما حول دواعي تأليف هذا الكتاب، وأسباب لجوء ابن عرب شاه إلى القصص على لسان الحيوان، على غرار كتاب «كليلة ودمنة» الذي استخدم الرمز بوصفه وسيلة فنية تهذيبية، يتمكن عن طريقها الكاتب من نصح ووعظ وإرشاد المتلقي بطريق غير مباشر من خلال السرد.
جاءت فصول الكتاب مرتبة على النحو التالي: «الرموز وإنتاج الدلالات السردية، مستويات البناء السردي، أشكال الرواي ووظائفه، والشخصيات ونماذجها».
وقد اشتمل كل فصل على محاور عديدة أضاءت في مجملها على سرد تراثي شائق ورمزي بأبعاد إصلاحية، وجمالية من خلال عالم الرموز الحيوانية، وهذا كما يؤكد د. أحمد علواني أتاح لابن عربشاه التمتع بقدر كبير من حرية التعبير، وممارسة النقد الواضح والصريح في عصره، وكان اللجوء إلى عالم الحيوان بقصد التمويه، ولكي يتمكن المؤلف من خلاله من غرس القيم، وتعزيز الهمم، ونصيحة السلطان المملوكي، بتأكيد الواجبات اللازم فعلها من جانب الحاكم والرعية، وبيان القواعد السلوكية الواجب اتباعها التي ترسم العلاقة الصحيحة بين الحاكم والمحكوم من أجل تحسين السلوك، وتهذيب الأخلاق.
*منطق الحكي
استخدمت الحكايات العربية القديمة تكتيكاً بنائياً رئيسياً صاغت به متنها القصصي، ويمكن ملاحظة بنية سردية متشابهة في «ألف ليلة وليلة»، وبشكل واضح في «المقامات»، و«كليلة ودمنة» بامتياز، وأيضاً في «رسالة الغفران» وغيرها من المؤلفات السردية.
إن البنية السردية في «فاكهة الخلفاء»، كما يشير د. علواني، جاءت في مستويات بنائية مركبة، وبشكل أدق في مستويين أساسيين: (بنية سردية كبرى وتمثلها الحكاية الإطارية الرئيسية للكتاب)، و(بنى سردية صغرى وتمثلها الحكايات المحورية أو الأبواب الداخلة ضمن الحكاية الإطارية للكتاب).
وهذا البناء السردي أخذ مجالاً متسعاً للغاية ومتشابكاً في الآن ذاته، وهذا التداخل البنائي لم يفقد السرد وحدته العضوية؛ لأن الحكاية الإطارية قد اكتملت حلقاتها بالقصص الإطارية الداخلية، واحتفظت هذه الأطر الداخلية بوحدتها الكلية، وبذلك تحقق البناء القصصي المتماسك على مستوى الأبواب بصفة خاصة، وعلى مستوى الكتاب بصفة عامة، ولم ينعدم الربط القصصي فيحل محله «الربط الفلسفي والحكمي» على مستوى الإطار العام كما فعل ابن المقفع في «كليلة ودمنة».
*أشكال الراوي
لأن الراوي يشكل الحبل المتين الذي يلم أجزاء الحكاية، فقد تشكلت البنية السردية للكتاب، بحسب د. علواني، من تضافر أربعة من الرواة: (الراوي الأول: مجهول، والثاني: براني، والثالث: جواني، والراوي الرابع: الكتاب)، فالراوي المجهول -على سبيل المثال- يحضر إلى السرد في مفتتح الحكاية في عبارات وجمل تجنح نحو القدم والتعتيم، مثل ذكر أهل السير، وذكر أهل التاريخ، وذكر رواة الأخبار، وهكذا، وهذه الصيغ الافتتاحية تواري خلفها ذاتاً لم تكشف، وشخصاً لم يعرف، قابعاً خلف صيغ الماضي، فلا يرى.
وفي معرض تداخل الكاتب مع نصه، يؤكد د. علواني أن المؤلف قد يظهر علانية في عمله، أو يومئ إيماء خفياً، أو يتقنع في زي راوٍ، أو يتماهى مع بطله، أو يتمثل في دور تشخيصي ما، وقد يذوب نفسه في الحوار القائم بين الشخوص؛ إذ يستطيع الكاتب من خلال النغمة المحددة في السرد، أن يشارك في محادثة ضمنية مع الشخصيات، متعاطفاً معها، أو مضيفاً إليها معان إضافية ساخرة إلى ما تقوله.
*الشخصيات ونماذجها
جاءت الشخصيات في «فاكهة الخلفاء» أمزجة شتى، فقدم السرد شخصيات فانتازية من عالم الحيوان والطير ترمز إلى فئة الحكام والمحكومين، كما عرض شخصيات تاريخية ممزوجة بالخيال، وكما مثل لطبقات اجتماعية ومهنية في رسم بعض الشخصيات، فهو لم ينس التحفيز التخييلي فأدخل شخصيات عجائبية من جن وعفاريت، وهذا المزج يرضي أذواق المتلقين المختلفة، ويخدم رغباتهم المتنوعة، ويعبر عن أفراحهم وأتراحهم، ومواجعهم ومواجدهم، وحتى يتم التمكن من الإلمام التحليلي لهذا الكم الكبير من الشخصيات، فإن مؤلف الكتاب لم يتوقف عند كل شخصية على حدة، ولكنه تناول هذه الشخصيات بنوع من النمذجة، في محاولة منه لجعل هذه النماذج تغطي المسار السردي لرسم الشخصيات في «فاكهة الخلفاء» مع التركيز على هدف الرواي من رسم هذه الشخصيات، وبيان رؤيته نحو الطبقة التي تمثلها كل شخصية.
*أنسنة الحيوان
يقوم السرد في «فاكهة الخلفاء» على منظومة رمزية أساسية قوامها عالم الحيوان والطير، ويتداخل معها شخصيات من عالم البشر، ولقد استحوذت الرموز على البناء السردي بشكل كبير، وقد ضبط الراوي في الكتاب العلاقة بين الرمز الحيواني والمرموز إليه من عالم البشر، عندما خلع على رموزه صفات البشر، فحافظ بذلك على العلاقة المتزنة بين الرمز ودلالته الحقيقية، وقد تحقق هذا الرباط التقابلي، من خلال إقرار الصفات الإنسانية في إطار التشخيص الرمزي، حيث يقود الرمز إلى التعرف إلى المرموز إليه.
اللافت، كما يشير د. أحمد علواني، أن شخصيات «فاكهة الخلفاء» الرمزية ليست أشياء اعتباطية؛ إذ لا يتصف الرمز / الشخصية بالجمود، ولا بالعجمة، ولكنه يأتي وكأنه إنسان ينبض بالروح والحركة، يمارس وظائفه الحيوية، ويوظف قواه العقلية، ولعل هذا أقوى في إثارة مشاعر المتلقي، سواء أكان هذا المتلقي من العوام الذين تستهويهم لذة الحكي، أو كان من الخواص الذين يعملون العقل ويتأملون في الواقع، ويراقبون سلوك وأفعال البشر، ويناظرون الرمز بالمرموز.
https://www.alkhaleej.ae/2024-09-15/%D9%81%D8%A7%D9%83%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A1-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A3%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%AA%D8%AF%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك