سنة النشر :
2023
عدد الصفحات :
112
السلسلة :
ملتقى الشارقة الدولي للراوي ال 23 - حكايات النباتات
ردمك ISBN 9789948778899
الوسوم
-
تراث
تقييم الكتاب
بدأ المؤلف الكتاب بمقدمة وافية، تحدث فيها عن أهمية وجود النبات في الحياة العربية، حيث يرى أن عناية العرب قبل الإسلام بالنبات كانت مرتبطة بطبيعة بيئة الجزيرة العربية، والتي يشح فيها الماء، باعتباره مصدراً أساسياً لنموه وانتشاره، غير أن تلك العناية تعززت بعد ظهور الإسلام، بالدعوة إلى النظر إليه آيةً من آيات الله العظمى، ودلالة قوية على الحياة، وما يتصل بها من أدوار مهمة ومتنوعة في الحياة، حيث نجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي ذكر فيها النبات أو أحد متعلقاته، لتحقيق غايتين اثنتين لفائدة الإنسان، تتصل إحداهما بحياته، والثانية بمعاده، أي من خلال ما سمّاه المؤلف التسخير والتمثيل، ويعني بالأول أن الله سخّر النبات لبقاء الإنسان على الأرض، واستخلافه فيها، وكذلك لبقاء الأنعام، التي هي جزء أساسي من حياته، مُورِداً بعض الآيات الدالّة على ذلك، ويعني بالتمثيل ما ضرب الله من أمثلة في القرآن بالنبات، مثل تشبيهه للحياة الدنيا بالنبات في تحوله من الاخضرار (الحياة) إلى الاصفرار (الموت)، ثم إلى حياة أخرى وهكذا دواليك، ما يؤكد قدرة الله على إحياء الموتى يوم البعث، ردّاً على الذين ينكرون القيامة، إضافة إلى ما قدّمه لنا القرآن من صور عن حضور النبات في الآخرة، سواء في الجنة أو النار، ويعرِّج على ما يحفل به الحديث النبوي الشريف عن النبات، والحث على الاهتمام به.
ثم يعرض المؤلف لأبرز العوامل التي تجعل النبات يكتسي الأهمية القصوى في حياة الإنسان بشكل عام، والعربي بشكل خاص، فيبسطها في كونه غذاءً للإنسان، وللدواب، وعلاجاً للكثير من الأدواء والأمراض، كما تستخلص منه عقاقير الدواء، ومستحضرات التجميل، إضافة إلى ما يتمتع به في ذاته من صفات الزخرفة، والزينة، والجمال، التي تضفي على الطبيعة والحياة معاً طابعاً خاصاً، وكلّها مقومات جعلته – مع غيرها – يحتل حيزاً مهماً في الحياة، سواء لدى الإنسان العادي، الذي يهتم به من أجل قوته اليومي، أو الطبيب الذي يُعنى بالكشف عن خصائصه ومميزاته، أو المبدع الذي ينبهنا إلى جماله، لذلك لا غرو أن نجد التراث الإنساني المتعلق بالنبات غنياً ومتنوعاً تنوع البيئات والأزمنة والأمكنة، وهو ما ينعكس بوضوح في التراث العربي من خلال كثرة المؤلفات المرتبطة به، في مختلف العصور العربية الإسلامية وبيئاتها، سواء تلك التي كانت وليدة التجربة العربية، أو التي كانت نتاج التفاعل الإيجابي مع حضارات أخرى.
ويفرد المؤلّف جانباً من الكتاب للحديث عن النبات في عناوين المصنّفات العربية، يظهر من خلاله ما لوحظ من اهتمام متزايد بالكتاب في مختلف مجالات المعرفة، منذ أن بدأت الكتابة تحتل موقعاً مهماً في الثقافة العربية الإسلامية، مع بروز الدولة وامتدادها إلى الأندلس، ولم يكن يوازي هذا الاهتمام سوى اختيار عناوين الكتب، بما يشير إلى قيمتها الخاصة وموضوعها، من جهة، وبما يدل عليه طابع الكتاب، من جهة ثانية، والوقوف على جماليته من جهة ثالثة، وكان للنبات موقع مهم في تلك العناوين، ولا يضاهيه في ذلك سوى العناوين المتصلة بالأحجار الكريمة، وقدّم بعض الأمثلة من كتب التفسير، والحديث، والأنساب والأدب، والتي يستشف منها ومن غيرها، مما تزخر به المكتبة العربية، القِيمةَ الخاصة التي أعطاها العرب للنبات، ولعل في أوصافهم للحسن والجمال سواء في المرأة أو الحيوان باعتماد النبات للمماثلة ما يؤكد العلاقة الخاصة التي تربطهم بمختلف أصنافه وأنواعه، وبما يحتله في وجودهم ووجدانهم في مختلف صوره وأشكاله، وهو ما فصّله في عرضه لتجربتيْ الغزالي وابن الخطيب، كمثالين تبيّن كتبهما ذلك بجلاء.
كما استعرض المؤلف مجموعة من الكتب العربية التي خُصّصت للنبات، حيث ترك العرب قبل الإسلام – في علاقتهم ببيئتهم الصحراوية – تراثاً نباتياً مهماً، يكشف لنا عن معرفتهم العميقة به، وبمنافعه ومضاره لهم ولأنعامهم، والأسماء التي يتميز بها كل نوع منه، وقد كان شعرهم المادة الأساسية التي أبرزوا من خلالها تلك العلاقة، وحين بدأت مرحلة التدوين عمد الرواة إلى جمع وتصنيف المؤلفات التي ترصد النبات، معتمدين على تلك المادة الشعرية، ومن قديم تلك المؤلفات كتابا «النبات والشجر» و«النخل والكرم» للأصمعي، وكتاب «النبات» للدينوري، وكتاب «حلبة الكميت» للنواجي.
ولأن الاهتمام بالنبات في التراث العربي ظلّ مستمرّاً، في مختلف المراحل التاريخية، جاء تجديد العلاقة به في الإبداع الأدبي العربي الحديث، من منظور مختلف عما كان سائداً حتى هيمنة التيار الرومانسي، تحت تأثير الرومانسية الغربية، التي احتفت بالطبيعة وعوالمها الجمالية، وتأثيرها في النفوس، فكان لتحقيق دواوين الشعراء من الجاهلية إلى الحقبة الأندلسية، والتركيز على شعراء الطبيعة، أثره الكبير في بروز دراسات تهتم بالنبات، سواء من خلال الاهتمام به بصفة خاصة، أو التركيز على وجوده في الأدب بمختلف أجناسه، ليذكر من المؤلفات الحديثة «تاريخ النبات عند العرب» لأحمد عيسى، و«شعر الطبيعة في الأدب العربي» لسيد نوفل، و«الطبيعة في الشعر الجاهلي» لنوري حمودي القيسي، و«عالم النبات في الأدب العربي» لحسن محمود موسى النّميري، حيث يرى المؤلف أن هذا الأخير يمكن اعتباره معجماً جديداً للنبات في التربة العربية، فهو يقدم للمهتمين به مادة مهمة تعرف به، وبما أنتج حوله، ومن بين أهدافه تعميق معرفة القارئ العربي بالنباتات التي تنبت في التربة العربية المتعددة والمتنوعة.
ولكي يرشد القارئ إلى مادة عربية غنية، خصص المؤلف أحد الفصول للنبات في موسوعة شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، المتوفى سنة 733ه، المعنونة ب «نهاية الأرب في فنون الأدب»، والتي خصص الجزء الحادي عشر منها للنبات، وجاء في 218 صفحة، أحاط فيها بالنبات من مختلف جوانبه، وأفاد من مختلف من كَتَب في النبات في التراث العربي قبل القرن الثامن الهجري، وهو ما انعكس بجلاء في شموله، وحسن تنظيمه وضبط مادته.
وفي تناوله للنبات في السيرة الشعبية العربية، يُنبّه المؤلف إلى أن حكايات النبات ليست مثل قصص الحيوان، التي دفعت الإنسان من خلال تمثيل بعض مواقفه للرمز بالحيوان إلى نسج حكايات وقصص وأمثولات، يجسد من خلالها السلوك الإنساني من حيث أفعاله وتصرفاته وسلوكه، والتي قد تتصف بها الكثير من الحيوانات، بينما نجد أن للنبات طبيعة مختلفة عن الإنسان والحيوان، فوجوده يملأ الأرض كيفما كانت طبيعتها، ولذلك كان التمييز فيه بين ما هو جميل ونافع بالدرجة الأولى.
https://www.alkhaleej.ae/2025-04-21/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%A7%D8%B7%D9%82%D8%A9-5876556/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك