تاريخ للعالم في عشرة فصول ونصف


تأليف :

المترجم :

الناشر : الشارقة : كلمات للنشر والتوزيع ، روايات

سنة النشر : 2023

عدد الصفحات : 399

ردمك ISBN 9789948258964

الوسوم - تاريخ - أدب مترجم - رواية

تقييم الكتاب

شارك مع أصدقائك تويتر فيسبوك جوجل


أحد الأعمال السردية الشائقة، التي تغوص عميقاً في التاريخ القديم لتطرح فرضية جديدة يصنعها خيال الروائي، وهي الأطروحة التي تتفق وتتشكك في ذات الوقت في كثير من المرويات القديمة، وربما كانت الأسئلة هي الخطوة الأولى في مشوار كتابة هذه الرواية، بالنسبة للمؤلف، تلك التي تثيرها الكثير من الظواهر التاريخية والحكايات التي قد لا تبدو متسقة، بالتالي فإن المؤلف في هذا العمل يتتبع أثر الماضي مفككاً ومفسراً وممارساً لفعل التأويل في ذات الوقت.
الرواية تبدأ بمراجعة العديد من المرويات التاريخية بكل أحداثها، ولعل البراعة في الرواية أن السرد ينهض على أقوال راوٍ هو بمنزلة شاهد على تلك السير، وهو شخصية غامضة لم ترد في أي من المراجع التاريخية غير أنه يلعب في هذه الرواية دوراً رئيسياً، ويتجول في مسرح الأحداث بين الماضي والحاضر، لتصبح أحداث العمل السردي في حد ذاته مروية جديدة، أو هكذا يريد لها الكاتب والذي لا يقدّم تاريخاً عن العالم فقط من حيث بداياته وتحولاته ومنعطفاته المتعددة، بل يسعى كذلك، وبشكل رئيسي، نحو تقديم بيان في طبيعة التاريخ نفسه، كيف يشتغل؟ وكيف يؤثر؟ ويتبع ذلك بتجوال في كل التواريخ القديمة منذ طوف ميدوسا، وعابرة المحيطات تايتانك، وحتى مركبة صعود القمر، يقدم الكاتب مائدة تختلط فيها الأصناف ما بين الأسطوري المتخيل والواقعي الذي حدث بالفعل.
هذه الرواية تتضمّن مجموعة من الحكايات والقصص، غير أن خيطاً رفيعاً يربط بين كل الأحداث كما هي أسلوبية بارنز السردية البارعة والمختلفة، والتي لا تكتفي فقط بالوقائع بل تغوص في دواخل النفس البشرية لتفسر السلوك والأفعال، فالتاريخ بالنسبة للمؤلف ليس هو ما يرويه المنتصرون فقط، بعكس ما هو شائع، فرواته في هذه الرواية يأتون من أكثر الأماكن سريةً وعُمقاً من الماضي، والمستقبل أيضاً، ويبرز في ثنايا السرد، بطريقة لا تعكر صفو الحكاية، سؤال التاريخ من حيث ما هو، وهل هو علم أم وقائع تفرض نفسها، أم أن العامل الذاتي يلعب دوراً في تفسير أحداث الماضي ووقائعه بحيث يحمل كل إنسان معنى مغايراً لماهية التاريخ، أو تفسيراً خاصاً له؟ وهل حطت سفن البشرية نحو بر الأمان حقاً، أم لا يزال البشر تائهين في محيط من الغموض والألغاز؟ وتلك لفتات تحمل طابع التأمل الوجودي في الكون والأشياء والظواهر تحفل بها الرواية ذات الطابع الفلسفي.
تتعدد عوالم الرواية بحيث إنها لا تتناول تاريخ البشر فقط، بل كذلك الحيوانات والطبيعة والكوارث التي مر بها العالم وكيف تعاملت معها الكائنات وكيف كان تأثيرها في الماضي والحاضر، ويطوف السرد كذلك في قضايا حيوية شديدة الصلة بالإنسان ومحاولاته لجعل العالم أكثر جمالاً مثل الفنون وحضورها البهي في حياة البشر، وبذلك فإن الرواية هي متنوعة ومتعددة الطبقات والأصوات ومصادر الحكايات وهي بعمقها هذا تحمل تحدياً للقارئ؛ إذْ تحرّضه على التفكير في المفاهيم التقليدية للتاريخ والواقع، والخروج عن الرؤى النمطية والسرديات السائدة؛ إذ إن الرواية تدعو لتغيير طرائق التفكير بحيث إن ذلك هو بداية الطريق نحو محاربة المسلمات والمعطيات، سواء التي تقدم من قبل المؤرخين أو في جميع المجالات الأخرى، فمن خلال هذه القصص المتنوعة، يطرح بارنز أسئلة حول معنى التاريخ، وكيف يتم تشكيله.
على الرغم من العوالم الشائكة التي تعالجها الرواية، إلا أن أسلوب الكاتب ولغته اتسما بالبساطة والسهولة، وربما لأن المؤلف يسعى نحو تبديد غموض العالم، فهو لا يريد أن يتورط في كتابة معقدة وغامضة، فيقدم مادة مسلية وممتعة رغم طابعها التاريخي والفكري، ومن أجل تمرير ثقل الحمولات الصعبة في السرد والمتمثلة في التاريخ والفلسفة، فإن الكاتب وظف خياله بصورة جبارة لا تعرف الحدود؛ حيث يتعدد الرواة في السرد، وتتم الاستعانة بشخصيات خيالية وأخرى واقعية تتجول في مسرح الأحداث من أجل صناعة حالات مختلفة من المتعة والصور والمشاهد المختلفة، ويستعين السرد كذلك بأحداث وقعت بالفعل هي عبارة عن كوارث بشرية كانت بمنزلة محطات مهمة في تاريخ الإنسانية مثل كارثة تشيرنوبيل «انفجار مفاعل نووي»، والتي كان لها دويّها الهائل وتأثيرها المقيم، وكذلك حادثة غرق سفينة تيتانيك وواقعة اللاجئين على متن سفينة سانت لويس عام 1939، الذين مُنعوا من النزول في الولايات المتحدة ودول أخرى، وكل تلك الأحداث التي تمثل نذيراً بأن الكوارث التي تهدد حياة البشر لا تزال ممكنة الوقوع، وكذلك فإن الرواية تمارس إسقاطاً بارعاً على واقع اليوم، وتضعنا أمام مشهد الهجرات الكبيرة من الدول الفقيرة نحو أمريكا والغرب والمخاطر التي ينطوي عليها ذلك النزوح الكبير بواسطة وسائل خطِرة مثل قوارب الموت، وأثر تلك الهجرات في حياة البشر الذين هاجروا، وكل تلك الرؤى والأفكار يضمّنها المؤلف في العمل بدقة شديدة من الأحداث المترابطة وغير المنسجمة كذلك.
تستدعي الرواية عدداً من الشخصيات الفلسفية التي اهتمت بالتاريخ ومكانته، والتي قدّمت أطروحات متباينة، سواء كانت تنظر لوقائع الماضي بصورة عملية جادة أو نقدية ساخرة، ومن هؤلاء يبرز المفكر كارل ماركس عبر مقولته الشهيرة «التاريخ يعيد نفسه، المرة الأولى كمأساة والثانية كملهاة أو مهزلة»، فذلك الجانب العبثي يرى فيه الكاتب بعداً جمالياً مهماً ورؤية مختلفة للحياة والتاريخ، فهناك أحداث كان بالإمكان تجنبها لولا أخطاء البشر، لكنها وقعت وكانت نتائجها هزلية إلى جانب أنها مأسوية في ذات الوقت، فذلك من ضمن مفارقات الحياة، كما تستدعي الرواية كذلك الفيلسوف هيجل وموقفه من التاريخ، إلى جانب أدباء بحجم شكسبير، يقدّمون إفادات حول وقائع الماضي وأثرها في الحاضر وربما المستقبل.
إلى جانب قوة الوصف والتنوع في صناعة الحبكة والقصص، فإن الرواية تتميز كذلك بأسلوب ساخر ونقدي، حيث يضع علامات استفهام حول الكثير من الحقائق التاريخية المتداولة، ويسخر من بعض المفاهيم غير المنطقية، وعمل المؤلف على توظيف النكتة بشكل مبتكر، والتي تتأمل في واقع البشر وطريقة تفكيرهم وتلقيهم للمرويات التاريخية دون التمحيص فيها، إلى جانب ذلك فالعمل يمكّن القارئ بشكل كبير من تطوير أدواته النقدية والتعمق في تناول الظواهر.
https://www.alkhaleej.ae/2025-06-29/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AF%D9%88%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1-5980816/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A8/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9



هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك

تعليقات الزوار


تاريخ للعالم في عشرة فصول ونصف

التبراة : والجمع ( تباري ) وهي المغاصة التي يكثر في قاعها المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ . فيقال ( المركب عنده تبراه ) أي وجد مغاصة يكثر فيها اللؤلؤ في قاعها الرملي . وقيل أن مناطق ( التبراة ) تسري ليلاً من مكان إلى آخر ، وأن المحار يطوف على سطح البحر ، فيلمع وكأنه ألوف المصابيح الدقيقة المنثورة على سطح البحر ، فتلاحقه سفينة الغوص حيثما ذهب . ( معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة )

التبراة : موقع إماراتي يتناول مئات المواضيع التي تضيء شعلة حب الكتاب لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة ( شخصيات وهيئات ومؤسسات ) في نشر ودعم الكتاب على مستوى العالم وبكل اللغات . كما يعرض لأكثر من ألف عنوان كتاب يتم نشره سنوياً منذ بداية الألفية الثالثة .

ملاحظة : الموقع عبارة عن قاعدة معلومات فقط  ، و لا يتوفر لديه نسخ من الكتب ، ولا يقوم بإعلانات تجارية سواء للكتاب أو المؤلف أو الناشر .

عداد الموقع

الكتب
37154
المؤلفون
20405
الناشرون
1948
الأخبار
10954

جميع الحقوق محفوظة - موقع التبراة