سنة النشر :
2023
السلسلة :
كتاب المسبار الشهري ، 199
تقييم الكتاب
تناول مؤشرات صعود التعصّب والتطرف والهُويّات الفرعية، والتحديات الجديّة التي تفرضها أمام الدولة ومؤسساتها في لبنان، في ظل بروز تنظيراتٍ سياسية تستعيد مشاريع الفيدرالية الموسَّعة. فيدرس العصبيات الطائفية والنزعات الانفصالية المتباينة، من أقصى الحالات الإسلاموية الداعشية المتجددة، إلى طروحات «الانفصالية المدنية» الراهنة، مناقشًا آلية توظيف التطرف لتبرير الهيمنة الحركية على الطوائف، عبر إعادة هندسة المجتمع لاستدامة الصراع، واستغلال الأزمة الإقليمية للتطبيع مع تنامي النفوذين الإيراني والتركي في لبنان.
بدأ الكتاب بمادة مفتاحية عن العصبيات الطائفية اللبنانية وصراعاتها، والسبيل إلى نهايتها، قدّمها الخبير النفسي والأكاديمي اللبناني مصطفى حجازي، جرد فيها العقبات التاريخية أمام تشكُّل الدولة؛ مستعيدًا زعم فرضها من الأعلى. وضعت المادة أسس مظلوميات الطوائف اللبنانية؛ التي تغذي عبرها العصبيات لتمنع تحوّل الوعي الجمعي إلى الفضاء المشترك. بنى حجازي سرديته عن تأسيس دولة لبنان الكبير؛ معتبرًا أن دخول جماعاتٍ بشكل قسري سنة 1920 في تشكيل الدولة، حفّزها لاحقًا، على تحيُّن الفرص لرفض الدولة ذاتها، مشيرًا إلى فرضيات العصبية التي طرحها الأكاديمي اللبناني فردريك معتوق في كتابه «خبز الموارنة وخبز الحياة: نشأة عصبيّة وتهاويها» ليقول: إن الدولة في لبنان ولدت بعوامل فنائها. اختتمت الدراسة ببيان الراهن السياسي وتحدياته، وأبرز حجازي مخاوفه من تحوّل «شباب الظِل المحروم» إلى أداة للعنف والعصبيات، ولعل الملف الأخطر –عنده- هو هجرة العقول اللبنانية، التي تزداد مع مرور الأيام، مع خشيته أن يخلو المجال للعصبيات الطائفية وزعاماتها وأدواتها.
تسببت التحديات المتوالية أمام الدولة المركزية القوية؛ في ظهور مبادرات لمشاريع فيدرالية؛ تحاول الاستناد إلى تجارب سابقة، لذا قدم الباحث والأكاديمي اللبناني زهير حطب جردةً لمشاريع الفيدرالية، بدأها بسرد نشأة لبنان الكبير، والتحليل الاجتماعي لما قبلها، منذ نظام القائمقاميّتين (1843-1861) ونظام المتصرفية (1861-1918)، وما صاحبهما من حروب طائفية؛ وثورات وصفها بأنها «طبقية» قادها «الفلاحون» ضد الاتجاه الإقطاعي. تبنى حطب -أيضًا- سرديّة قيام دولة لبنان الكبير بالضمّ القسري لبعض الطوائف التي يزعم أنها وجدت حضورها في دول أخرى، وصولاً إلى مرحلة الاستقلال التي أخذت بــ«الميثاق الوطني»، الذي أدى -بحسب رأيه- إلى تشكيل «تسوية للتعايش الطائفي على أساس الديمقراطية التوافقية، وهوية ملتبسة يكتنفها الغموض». أرّخت الدراسة لحلقات العنف التي شهدها لبنان بين سنتي (1958-2019) وتلتها أزمات عنفية وقلق سياسي ليس آخره «انتفاضة تشرين»، واكتفاء حزب الله بدولته وتعطيله المنظومة السياسية اللبنانية.
دراسة تربُّح حزب الله من تنامي التعصّب الديني والطائفية؛ ناقشتها الباحثة والأكاديمية اللبنانية منى فياض، التي اتهمت الأحزاب باستغلال تطبيق اتفاق الطائف، لتعزيز الانتماء الطائفي لقواعدها الشعبية، ولتحويل الصراعات السياسية العادية إلى صراعات طائفية. فعمل حزب الله -مثلاً- على بناء أرضية «خطاب ثوري مؤمن» موالٍ لإيران؛ وأتى بطبقة سياسية، استبدلت العائلات التقليدية الشيعية، بمجموعة حركية جديدة كل الجدة؛ تُكفِّر «تديّن الأهل» التقليدي وتقلِب العادات رأسًا على عقب، ويعتمد قادتها على تنمية مسار الولاءات الطائفية المشروطة والزبائنية لخدمة الهُويّات الفرعية الجديدة، على حساب الدولة والهُوية الوطنية. تحدد فياض أهم المخاطر الناجمة عن توظيف الحزب خطاب العنف ورفع السلاح بوجه الآخر السياسي؛ مستدلةً بذلك على ما سُمي بهجوم «القمصان السود» على أحياء في العاصمة في أحداث عدة، من بينها ما تسميه «غزوة بيروت» سنة 2008 و«تظاهرات تشرين» سنة 2019، مشددةً على أن «المجتمع المقاوم» المتخيَّل تمت أدلجته ليستهدف الآخر داخل الطائفة نفسها بتخوينه ونسبته إلى العمالة لتبرير إباحة دمه.
https://www.almesbar.net/%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%B2/
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك