سنة النشر :
2024
عدد الصفحات :
378
ردمك ISBN 9789948755418
الوسوم
-
أدب
تقييم الكتاب
تنهض دراسة الدكتورة بديعة الهاشمي، «القصة القصيرة جداً في الخليج العربي: دراسة تأصيلية فنية»، الصادرة عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات لعام 2024، بوظيفة مزدوجة تجمع فيها بين التأصيل النظري لهذا الفن السردي، والتشريح الفني لتحولاته الخليجية، في سعي علمي لافت إلى منح هذا الجنس الأدبي مكانته في مدونة الأدب العربي، باعتباره جزءاً من المسار الطبيعي لتطور الحساسية السردية الحديثة، وليس شكلاً مستجداً على الهامش.
توزع الكتاب على مقدمة وخاتمة وأربعة فصول رئيسية، تتفرع في كل فصل إلى عدة، مباحث تدرس النشأة والتطور والإشكاليات التي تثار حول هذا النوع السردي، جاء الفصل الأول بعنوان: «القصة القصيرة جداً: النشأة والتطور التاريخي»، في ثلاثة مباحث، عالجت المراحل التاريخية لظهور هذا الفن في الأدب القديم حتى العصر الحاضر، وسلّطت الكاتبة الضوء في الفصل الثاني على إشكالية تجنيس القصة القصيرة جداً وخضوعها للقواعد التي تحكم الجنس الأدبي، فيما درس الفصل الثالث وحدة الموضوع ومضامين القصة القصيرة، وسلط الضوء على أبرز الموضوعات المطروحة في المجموعات القصصية، أما في الفصل الرابع الذي جاء بعنوان: «البناء الفني في القصة القصيرة جداً»، فركزت الكاتبة من خلال ثلاثة مباحث، على رصد التطور على البناء الفني لذلك الشكل الأدبي، عبر سلسلة من التحولات اللغوية والأسلوبية التي طرأت على التقنيات السردية.
*تفكيك عميق
في هذا الدراسة الفنية، لا تكتفي بديعة الهاشمي برصد تحولات القصة القصيرة جداً أو استعراض نماذجها في الخليج العربي، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، حين تخضع هذا الفن إلى تفكيك عميق في عناصره وتقنياته وإشكالياته المصطلحية والوظيفية، متخذة من النصوص الخليجية حقل اختبار لتساؤلات نقدية كبرى عن اختزال الزمن، وتكثيف اللغة، وتحول البنية القصصية إلى ومضة دالة تشبه اللمحة أو الصدمة، لكنها لا تفتقر إلى المعنى أو العمق.
الكتاب الذي ينطلق من خلفية أكاديمية، يضع نصب عينيه مواجهة الاستسهال السائد عند كثير من الكتاب والقراء لهذا الفن السردي الذي غالباً ما ينظر إليه ككتابة سريعة، لا تستحق أن تعامل بالجدية نفسها التي تمنح للقصة أو الرواية، ولعل هذا ما يفسر دقة الكاتبة في تحديد المصطلحات، حيث تتوقف مطولاً عند الإشكال النقدي المتمثل في التسمية ذاتها: «القصة القصيرة جداً»، فبين من يراها «موضة» أو «صرعة» أو «شذرات قصصية»، اختارت بديعة الهاشمي التوصيف الأكثر رسوخاً في المشهد النقدي العربي، مع وعي واضح بالخلط المفاهيمي بين القصة القصيرة والقصيرة جداً، خصوصاً في البيئة الخليجية التي لم تحسم أمرها مبكراً في هذا السياق.
وتعتمد بديعة الهاشمي في الفصل الأول من الكتاب نهجاً استقصائياً لنشأة «القصة القصيرة جداً» عالمياً وعربياً، مشيرة إلى تأثرها ببعض الأشكال الحكائية القديمة كالأمثال والحكايات الشعبية والنوادر، لكنها تؤكد أن هذا الفن لا يستمد شرعيته من «قصره» فقط، بل من بنائه الفني القائم على الدهشة والمفارقة والحدث الخاطف.
*الحاضنة المتأخرة
تذهب الدراسة إلى أن القصة القصيرة جداً لم تُعرف كجنس مستقل خليجياً إلا في فترة متأخرة، رغم وجود نماذج لها منذ سبعينات القرن الماضي، وتشير إلى أن كتاباً؛ مثل جبير المليحان في السعودية، ومحمد علوان وعبدالعزيز الصقعبي لاحقاً، كانوا من بين الأوائل الذين مارسوا هذا الفن دون تسميته، بل كانت نصوصهم القصيرة جداً تندرج ضمن المجموعات القصصية العامة.
في الإمارات، وفي بداية التسعينات قدمت نصوصاً تحمل سمات القصة القصيرة جداً، مثل المجموعة القصصية «نافورة الشظايا» للكاتب ناصر جبران، والتي عدها بعض الدارسين بداية لحضور قوي للقصة القصيرة جداً في المشهد المحلي، وتمضي الهاشمي في رصد الكيفية التي تسربت بها تقنيات هذا الفن إلى كتاب الخليج، بفعل التفاعل مع الملتقيات الأدبية العربية، والانفتاح على التجارب العالمية، وأثر الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي التي عززت ثقافة التكثيف والكتابة المختزلة.
ما يميز هذا الكتاب هو اعتماده على عينة تحليلية واسعة من النصوص الخليجية التي نشرت بين 2005 و2017، حيث تسعى الباحثة إلى تفكيك هذه النصوص من الداخل، كنماذج حية للجدل القائم بين الشكل والمضمون في هذا الفن وتخوض بديعة الهاشمي في قراءة نقدية متعمقة لأبرز سمات القصة القصيرة جداً، مبرزة ملامحها الكبرى، مثل: اللغة المختزلة دون تفريط بالبلاغة، الحضور الكثيف للرمزية والمفارقة، غياب الحوار أو تقليصه لأقصى الحدود، المفاجأة أو «اللّدغة الأخيرة» التي تشبه التوقيع الختامي للنص، كما تنبه إلى الفرق بين التكثيف الفني الحقيقي وبين «الاقتضاب» الذي قد يصل أحياناً إلى الفقر اللغوي، مؤكدة أن الإيجاز في القصة القصيرة جداً لا يعني البساطة، بل يقتضي مهارة أعلى في بناء التوتر والمعنى خلال سطور قليلة.
*معركة
أحد المحاور المثيرة في الكتاب هو تسليطه الضوء على المعركة النقدية الدائرة حول القصة القصيرة جداً، وهل تعد فعلاً «فن المرحلة»، أم أنها حالة عابرة فرضتها البيئة ذات الإيقاع السريع، وهنا تتبنى بديعة الهاشمي موقفاً وسطياً، لا يفرط في التهوين ولا يبالغ في التمجيد، بل تشدد على أن هذا النمط السردي يشكل امتداداً طبيعياً لتطورات البنية القصصية، لكنه يحتاج إلى صقل وتنمية واحتضان نقدي ليخرج نحو فضاءات أكثر نضجاً وتجريباً.
يمر الكتاب بالعوامل التي ساعدت على تحول الخطاب السردي في أدب الخليج العربي، خصوصاً في ظل الإيقاع السريع لنمط الحياة وعدم امتلاك القارئ للوقت الكافي لقراءة الأعمال المطولة، والانفتاح على الآداب الغربية، من خلال ما لعبته الصحافة من أثر في التحول والتجريب الذي مارسه كتاب القصة القصيرة جداً، ما ساعد هذا الفن على الانتشار، لكنه في الوقت نفسه أفرز الكثير من «نصوص الأدعياء» التي تفتقر إلى أدنى مقومات الفن، متذرعة بقصر النص، ومستخدمة الاختزال كذريعة للسطحية، غير أن الهاشمي تثمن الدور الذي لعبته هذه التحولات في توسيع قاعدة القراء والكتاب لهذا الفن، خصوصاً بين الشباب، وترى أن التحدي المقبل يكمن في تحويل هذه القاعدة إلى مشهد أدبي فعلي، تدعمه دور النشر، والملتقيات، والنقد الجاد.
*الجغرافيا الجمالية
تتمثل إحدى مآثر الكتاب في تتبعه الدقيق لخريطة القصة القصيرة جداً في الخليج، وتطوره من الموروث الخليجي «سويلفات»، حتى توضحت أركانه الفنية في تجارب الكتاب الخليجيين، حيث لا يكتفي بسرد أسماء الكتاب، بل يعيد توزيعهم على مستويات التجريب، ومدى تمكنهم من تقنيات هذا الفن، ويبرز الكتاب بوضوح التفاوت بين البلدان الخليجية، حيث تأتي السعودية في المقدمة بوصفها صاحبة الإرهاصات الأولى، تليها الإمارات والكويت والبحرين، مع ملاحظات دقيقة حول انفتاح النصوص الكويتية على اليومي والفكاهي، في حين تميل الإمارات إلى النفس التجريبي.
وتشير من خلال هذا التفاوت الجغرافي إلى خصوصية التجربة السردية لكل بلد، حيث تجد اختلافات من حيث التكثيف والإيجاز، والذي يعود بحسب الكاتبة إلى حداثة التجربة لدى كتاب القصة في الخليج العربي، وربما إلى عدم إدراك البعض لمقومات القصة القصيرة جداً وخصائصها بشكل كافٍ.
https://www.alkhaleej.ae/2025-07-20/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D9%8B-%D8%B3%D8%B1%D8%AF-%D9%8A%D9%86%D8%B6%D8%AC-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D8%A8-6008866/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9
طبعات أخرى
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك