فتى يلوح للأسئلة


تأليف :

الناشر : الشارقة : دائرة الثقافة والإعلام Sharjah : Department of Culture and Information

سنة النشر : 2023

عدد الصفحات : 68

السلسلة : إبداعات عربية

ردمك ISBN 9789948783503

الوسوم - أدب - شعر

تقييم الكتاب

شارك مع أصدقائك تويتر فيسبوك جوجل


حمل الديوان بين دفتيه مجموعة من النصوص الشعرية التي تزاوجت فيها الفلسفة مع العذوبة اللغوية، والقلق الوجودي مع الشغف بالمعنى. فمنذ اللحظة الأولى التي تقع فيها العين على العنوان، نجد أنفسنا أمام رحلة داخل فضاء مشبع بالتساؤل والحيرة والحنين، عنوان يكشف منذ البداية موقفاً شعرياً وفلسفياً متداخلاً: الفتى هنا يتشبث بظل السؤال كمن يتمسك بآخر ما تبقى له من أمل في العالم، ليقول لنا إنه شاعر يرى في السؤال مرآة الوعي، وفي الحيرة خلاصاً من طمأنينة زائفة أو يقين مصطنع يطمس جوهر الإنسان ويحدّ من حريته الروحية.
لا يظهر شديفات في ديوانه بصورة شاعر معزول داخل برجه العاجي، بل يبدو حاضراً في جوهر المعاناة الإنسانية اليومية، نصوص مثل «صداع الأسئلة» تكشف هذا النزوع، حيث تتحول الحيرة إلى مادة للصراع الداخلي:
«في داخلي في سواد الروح أسئلة / كعاشق كلما حدقت يلتفت»
هنا تتجلى الأسئلة بوصفها قلقاً وجودياً يعصف بالذات، فالشاعر يدرك أن الرغبة في الفهم قد تتحول إلى عبء ثقيل، حين تغدو كثافة الأسئلة مصدر ألم جسدي أشبه بالصداع، وبذلك يربط شديفات بين المعرفة والوجع، في ما يشبه التقاء الشعر بالفلسفة والطب معاً، إذ يستخدم صوراً مستمدة من خلفيته الأكاديمية الطبية ليحول السؤال إلى أشعة تكشف خفايا الذات، وفي هذه المنطقة يصبح السؤال لعنة ونعمة، عزاء وهلاكاً في الوقت نفسه.
تبرز في نصوص الديوان سمات لغوية دقيقة تختط لنفسها تميزاً خاصاً، فشديفات يكتب بلغة كثيفة، تعتمد الجمل القصيرة الموحية والمجازات المدهشة، دون أن ينزلق إلى الزخرفة البلاغية، لذا جاءت نصوصه صادقة، تراهن على «الدهشة» وعلى النهايات المفتوحة، إذ يترك القارئ معلقاً عند التخوم، مسكوناً بالأسئلة، موسيقى هذه اللغة خافتة غير استعراضية، تولد من ترددات الروح ورنين الأسئلة في أعماق الذات.
هذه «الموسيقى الداخلية» تمنح النصوص هويتها، فلا تقوم على إيقاع خارجي بقدر ما تستند إلى رنين داخلي يشبه نبض القلب. اللغة هنا ليست مجرد وسيلة، بل هي كائن حي يشارك في تكوين التجربة، ولعل أجمل ما يلفت النظر أن الشاعر ينشغل بالصورة التي تخلق المشهد لا بالعبارة المتكلفة، ففي قصيدة «مشهد» نقرأ:
«أمشي على طرف الطريق / وكفّ أمي نازل مثل الكتاب من السماء»
وهنا تتحول الصورة إلى مشهد سينمائي كامل، المشي على طرف الطريق يوحي بالهشاشة واللايقين، في ما يد الأم النازلة من السماء تعيد للعالم المختل توازنه المفقود، في جدلية تجمع بين الروح والعاطفة وبين الفقد والطمأنينة.
شديفات حاضر دوماً كإنسان يواجه العالم لا كشاعر منعزل أو متقوقع، ففي اعترافه الشعري:
«أنا يا رب إنسان / ولي صدقي ولي كذبي»
يكشف شديفات هشاشة الإنسان وضعفه، مع طلب صادق للخلاص والنجاة، وهنا الشاعر لم يقدم نفسه ذاتاً متعالية أو بطلاً أسطورياً، وإنما إنساناً هشاً يواجه ألم الوجود ومعناه، ويبحث عن الحقيقة وسط عالم موبوء باللاجدوى، بهذا الاعتراف يمسك بخيط إنساني يجعل نصوص الديوان قريبة من القارئ، مشتبكة مع حياته ومخاوفه، بدل أن تبقى صدى بعيداً لصوت شاعر منعزل.
إذا ما جمعنا خيوط النصوص عند شديفات، يبدو الديوان رحلة روحية تبدأ بالتساؤل والقلق الوجودي، تمر بالموت والفقد والحب، وتنتهي بمحاولة استعادة الطمأنينة عبر العودة إلى الله أو ابتكار شكل شخصي من الإيمان، ما يميز هذه الرحلة أنها تجمع بين الانكسار الداخلي والتمرد على الألم، فلا يخفي الشاعر ضعفه، لكنه في الوقت نفسه يرفض الاستسلام لسلطة اليقين أو طغيان الألم. فقصائده محاولات لترميم الذات باللغة، وبحث شاق عن معنى وسط الفوضى وضجيج العالم.
الديوان يورط قارئه في شبكة أسئلته، فلا يمنحه أجوبة مريحة ولا نهايات موثوقة، القارئ يدخل مع الشاعر في تجربة مشتركة يبحث عن الخلاص، يؤول الحب، يتساءل عن جدوى الطريق الذي يسير فيه، ذلك ما يجعل الديوان ممتعاً ومؤلماً في الوقت نفسه، لأنه مرآة لحقيقة إنسانية عميقة، فكلنا أولئك الفتيان الذين يلوحون للأسئلة عند حافة الطريق، يلوذون بالحيرة كخلاص أخير من ترهل اليقين الموروث.
يقال دائماً إن الشعر العظيم يقاس بقدرته على زعزعة البداهات وإثارة الأسئلة، وهذا ما تحققه تجربة حسام شديفات في «فتى يلوح للأسئلة»، فهناك طاقة قلق تسكن نصوصه، تدفع القارئ إلى إعادة النظر في يقينياته وتفتح أمامه أفق الدهشة، والشاعر لا ينتهي بالقارئ إلى محطة إجابات نهائية، بل إلى سلسلة لا تنتهي من الأسئلة الجديدة، التي تحرض على البحث والتأمل.
وبهذا يصبح الديوان نصاً مركباً يبدأ من الشك لا من اليقين، ويجعل من الشاعر شاهداً ومراقباً يؤول ما حوله، ومن القارئ شريكاً مستمعاً مفكراً، لذا يمكن تلخيص عوالم شديفات الشعرية بأنها لعبة الضوء والظل، وجدلية السؤال والجواب، وولادة القصيدة في بؤر الدهشة وموتها المؤقت في ثوب التأويل، وهو بذلك يثبت في مفترقات الحياة، يعيد للغة براءتها، وللأسئلة شرارتها الأولى.
في هذا الديوان يبدو أننا أمام تجربة على شاعر شاب راكم خبراته من بيئة علمية وثقافية، واشتغل طويلاً على أن تكون القصيدة مرآة وأسئلة وأفقاً مفتوحاً للتجريب والدهشة، وبعمله هذا يسهم في إثراء المشهد الشعري العربي المعاصر، مقدماً إضافة مدهشة في هذا الميدان ليؤكد أن الشعر ما زال قادراً على أن يسكن قلوبنا كفعل سؤال دائم يلوح من حافة الغياب، ينتظر فينا بشغف الأجوبة.
https://www.alkhaleej.ae/2025-09-14/%D9%81%D8%AA%D9%89-%D9%8A%D9%84%D9%88%D8%AD-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D9%86%D8%B5%D9%88%D8%B5-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%87%D8%B4%D8%A9-6082886/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9



هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك

تعليقات الزوار


فتى يلوح للأسئلة

التبراة : والجمع ( تباري ) وهي المغاصة التي يكثر في قاعها المحار الذي يحتوي على اللؤلؤ . فيقال ( المركب عنده تبراه ) أي وجد مغاصة يكثر فيها اللؤلؤ في قاعها الرملي . وقيل أن مناطق ( التبراة ) تسري ليلاً من مكان إلى آخر ، وأن المحار يطوف على سطح البحر ، فيلمع وكأنه ألوف المصابيح الدقيقة المنثورة على سطح البحر ، فتلاحقه سفينة الغوص حيثما ذهب . ( معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة )

التبراة : موقع إماراتي يتناول مئات المواضيع التي تضيء شعلة حب الكتاب لدى أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة ( شخصيات وهيئات ومؤسسات ) في نشر ودعم الكتاب على مستوى العالم وبكل اللغات . كما يعرض لأكثر من ألف عنوان كتاب يتم نشره سنوياً منذ بداية الألفية الثالثة .

ملاحظة : الموقع عبارة عن قاعدة معلومات فقط  ، و لا يتوفر لديه نسخ من الكتب ، ولا يقوم بإعلانات تجارية سواء للكتاب أو المؤلف أو الناشر .

عداد الموقع

الكتب
37226
المؤلفون
20449
الناشرون
1951
الأخبار
10965

جميع الحقوق محفوظة - موقع التبراة