سنة النشر :
2009
عدد الصفحات :
274
الوسوم
-
أدب
تقييم الكتاب
يتميز هذا الكتاب بالتنوع البالغ في موضوعاته، فهو لا يقف بك عند حدود قضية معينة محلية أو عالمية وإنما يحلق بك في أجواء مختلفة على نحو يمكنك معه أن تنهل من رحيق كل قضية قطرة.
فمن خلال الكتاب يمكن للقارئ أن يتجول على عدد من القضايا المحلية مروراً بأخرى عربية وسياسية وسياحية ورياضية، منتهياً بطائفة من القضايا التي لا رابط بينها تحت عنوان «أوراق ملونة». ورغم توقع أن تحتل القضايا المحلية الجانب الأكبر من الكتاب باعتبار ما للمؤلف قاسم سلطان رئيس بلدية دبي السابق من دور وخبرات في هذا الصدد، إلا أن القارئ يلمس محدوديتها وهو ما قد يكون باعتبار أن إسهاماته العملية فيها معروفة للكافة تقريباً.
من بين قضايا الوطن العديدة يركز المؤلف على قضيتي التعليم والعطاء من خلال الحديث عن مبادرة المعرفة والحملة التي حملت هذا الاسم متناولاً إياهما بالإشادة باعتباره «مواطناً يعبر تلقائياً عما يجيش في صدره».
ورغم هذا التواضع إلا أن المؤلف يوسع من نطاق تناوله في القضية الأولى ليضعنا في قلب المنافسة العالمية الشرسة لدعم البحث العلمي على النحو الذي يشعر معه القارئ اننا إلى أي حد في العالم العربي مازلنا نحبو.. بما يشير إلى الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه، حسبما يرى، مبادرة مثل مبادرة المعرفة.
ينقلنا المؤلف بعد ذلك إلى آفاق أرحب على الصعيد السياسي العربي والدولي، وإن أكد في الوقت ذاته على أنه ليس محللاً سياسياً، فيعرض لأبعاد الفرحة بفوز أوباما على صعيد أحلام الشعوب العربية.
ويحرجنا سلطان بصراحته حين يقوض حتى أحلامنا باستنساخ ملامح التجربة الأميركية مؤكداً لنا الحقيقة المرة الماثلة في أن الشعوب العربية لا تفرق بين ملك ورئيس فكلهم ملوك ما داموا على سدة الحكم وبعضهم ملك فوق العادة لأنه احتل الكرسي عنوة بغفلة من الشعوب، والشعب العربي كما يبدو لا يستحق أكثر من ذلك لأنه قابع خانع خاضع راض بمعيشة الحي الميت!
وإذا كان هم مواجهة التراجع والتخلف العربي يسيطر على المؤلف في أوراقه العربية، فإنه يفسر ذلك لنا بأسباب عدة منها «الاستبداد هو السبب» حسب أحد موضوعات هذا الجزء.
كما أن من بين الأسباب الأخرى عقلية «ما عنده سلفة». وفي تفاصيل هذا السبب يذكر المؤلف أنه كان يتابع مع أصدقاء برنامج علمي حول باحث يعيش وسط حيوانات مفترسة ليكتشف طباعها وعاداتها كيف تأكل وتشرب، فكان تعليق أحد الحاضرين أن هذا الرجل مجنون «ما عنده سالفة» يعرض نفسه للخطر من أجل معرفة عادات حيوانات مفترسة. ويعلق المؤلف قائلاً: في رأيي أن كثيرين من العرب يفكرون بهذه العقلية لأنهم تعودوا على ثقافة الكسل والاعتماد على الغير لاكتشاف ما يدور حولهم وحتى لحل مشكلاتهم.
وإذا كانت أزمة العدوان على غزة هزت العالم أجمع فيبدو أن المؤلف لم يكن يعول على العرب كثيراً ولذلك نجده يقدم نصيحة مخلصة لأهالي غزة تعبر عن حال العجز العربي رغم قسوتها، داعياً إياهم إلى إلا يعتمدوا كثيراً على العرب لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. «فلم تعد لنا عزة ولا كرامة حتى للتحرك من أجلكم. أما الشهامة العربية فلم نعد نعرف لها معنى إلا ما ندر، بل أصبحنا نقرأها في بطون الكتب التاريخية فقط، هذا إن كنا نقرأ».
وأمام هذا الحال من الواقع المخزي لا يجد المؤلف أمامه سوى أن يلجأ إلى الفانتازيا لتحقيق أحلامه على طريقة «في مثل هذا اليوم».. ومعه نتابع أنه في مثل هذا اليوم من عام؟ رفع العلم العربي الموحد في جميع المدن العربية احتفالاً بعيد الدولة الموحدة.. وفي مثل هذا اليوم عام؟ تفوق اللوبي العربي على اللوبي الصهيوني وكسب معركة سياسية لصالح العرب.. إنه البحث، كما يقول المؤلف، عن بريق أمل حتى لو كان كذبة أول أبريل لنصدق أننا نعيش واقعاً مريراً.
وفي حالة غضب شديد على تصريحات لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يرد المؤلف بشدة في مقال له في أولى أوراقه السياسية تحت عنوان «عفواً سيد غيتس» متسائلاً: لماذا هذه الترسانات النووية التي لا تملكها إلا دول محدودة من بينها إسرائيل؟ هل لتهديد العرب أم للدفاع عنهم ضد مخلوقات قد تأتي من كوكب آخر؟ أم قد تكونوا صنعتموها من أجل الديكور والوجاهة لتخويف من تريدون استغلالهم؟ وبصراحته الملموسة في أوراقه العربية والسياسية يختم المؤلف قائلاً لغيتس: أنت لا تتغابى بل تعتقد أننا أغبياء! إن كلامك عن أن إسرائيل ليست خطراً على العرب لا ينطلي على أحد!
ولا يفوت المؤلف فرصة دخول منطقة القضايا السياسية دون العروج على الوضع في العراق ولو من باب مذكرات آلن غرينسبان التي أشار خلالها إلى أن النفط هو أحد الأسباب الرئيسية في الحرب على العراق، مبدياً دهشته من حرص المسؤولين الأميركيين على خلق ذرائع لإخفاء نواياهم الحقيقية هناك. وبلغة تعبر عن السأم من الوضع هناك يقول في حديث عن الأميركيين: ومع استمرار تورطهم في العراق قد يخرجون بأكاذيب جديدة قبل أن تنتهي فترة ولايتهم ويذهبون بلا رجعة كما حصل حين نفدت حججهم وادعوا أن هدفهم جلب الحرية للشعب العراقي.
ومن العراق إلى إيران أو النووي الإيراني بمعنى أصح والإسرائيلي كذلك ووضع العرب بين الاثنين يشير إلى أن المطلوب منطقة خالية من الأسلحة النووية دون استثناء أحد وإلا لماذا يحق لإسرائيل ما لا يحق لغيرها من دول المنطقة مثل مصر وسوريا.
ومن السياسة إلى الدين في قلب السياسة يقدم لنا المؤلف رؤيته بشأن قضية الرسوم الدانمركية حيث يضعها في سياق يتصل بالكراهية الغربية للإسلام. متسائلاً بمنطق المخالفة عن ماذا لو حدث العكس ووجهت الإساءة للغرب؟ يجيب: كانوا سيقيمون الدنيا ولا يقعدوها وتشجب منظماتهم وتستنكر جمعياتهم الأهلية وسيهددون ويتوعدون كل الدول الإسلامية دون استثناء.
وعلى المنوال ذاته يمكن أن تتابع مع المؤلف رؤاه لـ «أميركا والعرب وعلاقات الشد والجذب بينهما»، وأوراقه السياحية التي يبدو من خلالها عاشقاً لمصر مؤمناً بأن من يشرب من نيلها لا بد أن يرجع له ثانية، إلى غيرها من القضايا مثل تلك التي يعقد من خلالها مقارنة بين تلفزيونات الماضي وفضائيات الحاضر، والرؤساء السابقون الذين تحولوا إلى موطنين عاديين. أغلبهم ليس عربياً بالطبع.
https://www.albayan.ae/paths/books/2009-05-16-1.434587
هل قرأت هذا الكتاب أو لديك سؤال عنه؟ أضف تعليقك أو سؤالك