الدبلوماسية الثقافية للإمارات ركيزة التواصل الحضاري
نظمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية ندوة بعنوان «الدبلوماسية الثقافية للإمارات.. قوة ناعمة تعبر الحدود»، أدارها د.سليمان الجاسم، بمشاركة كل من د. يوسف الحسن، وبلال البدور، ود. عبد العزيز المسلم، وذلك بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي والدبلوماسي.
في مستهل الندوة، أكد د.سليمان الجاسم أن الثقافة أصبحت أداة استراتيجية في بناء العلاقات الدولية وتعزيز صورة الدول، مشيراً إلى أن القوة الناعمة تمثل اليوم امتداداً للعمل الدبلوماسي الحديث، وقد نجحت الإمارات في توظيفها بذكاء ضمن رؤيتها للتواصل الحضاري والانفتاح على العالم.
واستعرض د.يوسف الحسن في مداخلته نشأة مفهوم القوة الناعمة وتطور الدبلوماسية الثقافية، موضحاً أن المفهوم برز أواخر القرن العشرين مع تطور العلاقات الدولية والحاجة إلى أدوات جديدة أكثر تأثيراً في مخاطبة الشعوب، وقال: إن القوة الناعمة تقوم على الإقناع والجاذبية، وتتطلب وقتاً وجهداً لبنائها وترسيخها.
وسلط د.الحسن الضوء على تجارب عدد من الدول في توظيف السينما والفنون والإعلام والجامعات لتشكيل قوتها الناعمة، موضحاً أن هذه القطاعات أصبحت أدوات مؤثرة في بناء الصورة الذهنية للدول حول العالم. وأضاف أن الجامعات ومراكز البحث العلمي باتت منابر لإنتاج الفكر ونشر المعرفة، وبالتالي أصبحت جزءاً أساسياً من الدبلوماسية الثقافية الحديثة، وأكد أن الإعلام، يمثل اليوم أداة رئيسية في تشكيل الرأي العام وبناء الجسور بين المجتمعات، داعياً إلى الاستثمار المستدام في هذه المجالات لتوسيع نطاق الحضور الثقافي الإماراتي عالمياً.
وأضاف د. الحسن أن دولة الإمارات أدركت مبكراً أهمية هذا التوجه، فاعتمدت الدبلوماسية الثقافية كوسيلة لتقوية علاقاتها مع دول العالم على أساس من التفاهم والاحترام المتبادل، من خلال رؤية واقعية معتدلة جعلت من الثقافة مساحة للحوار والتعاون، وأشار إلى أن عناصر هذه الدبلوماسية الثقافية تشمل المجتمع المدني، والإعلام، والجامعات، والفنون، والمسرح، والمؤسسات الثقافية التي تسهم في صياغة صورة إيجابية للدولة.
من جانبه، تناول بلال البدور عدداً من النماذج العملية التي تجسد القوة الناعمة الإماراتية من واقع خبرته في العمل الدبلوماسي، موضحاً أن الإمارات دعمت مؤسسات ثقافية في مختلف أنحاء العالم، وقدّمت مبادرات لدعم الفنانين والمبدعين في بلدانهم، ما عزز حضورها الثقافي في الخارج.
وأشار البدور إلى أن الدولة مارست الدبلوماسية الثقافية قبل أن تتبلور كمصطلح حديث، إذ حرصت منذ قيام الاتحاد على الانفتاح الثقافي وتقديم المثقف والكاتب الإماراتي للعالم عبر المجلات والصفحات الثقافية المحلية التي لعبت دوراً بارزاً في التعريف بالإبداع الإماراتي، ولفت إلى أن هذه الجهود التراكمية أرست أسس جسر ثقافي عالمي جعل من الإمارات منصة للتبادل الثقافي والحضاري.
بدوره، استعرض الدكتور عبد العزيز المسلم تجربة إمارة الشارقة في ترسيخ الدبلوماسية الثقافية الإماراتية، مشيداً بالدور الريادي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في تأسيس نهج ثقافي شامل جعل من الثقافة ركناً أصيلاً في بناء القوة الناعمة للدولة، وأوضح المسلم أن سموه أدرك مبكراً أهمية الثقافة في مد جسور التواصل مع العالم، فأنشأ مؤسسات تعنى بالمسرح والشعر والفنون، وأسس المعهد الثقافي العربي في ميلانو ومركز الدراسات العربية في البرتغال، ما عزز حضور الإمارات الثقافي دولياً، وفتح آفاقاً جديدة للحوار الحضاري بين الشرق والغرب. وأشار المسلم إلى أن المشروع الثقافي الذي أطلقه حاكم الشارقة شكل أحد أبرز المسارات التي دعمت مسيرة الدبلوماسية الثقافية الإماراتية، عبر مبادرات نوعية ومؤسسات ثقافية امتدت إلى مختلف القارات. وبين أن الإمارة استثمرت مكانتها وألقابها، مثل «عاصمة الثقافة العربية» و«عاصمة الثقافة الإسلامية» و«العاصمة العالمية للكتاب»، لتعريف العالم بالتراث الإماراتي وتقديم صورة حية عن أصالته وانفتاحه، ولفت إلى أن الأسابيع الثقافية التي تنظمها الشارقة في مدن عالمية عدة تمثل نموذجاً عملياً للدبلوماسية الثقافية، خالقة مساحة للحوار والتعارف الإنساني، ومؤسسة لحضور إماراتي متوازن يجمع بين الأصالة والحداثة.
وفي ختام الندوة، شهدت الجلسة نقاشات ومداخلات من الحضور تناولت تجارب الإمارات في توظيف الثقافة كقوة ناعمة وأداة للتواصل الإنساني، مؤكدين أن الدبلوماسية الثقافية أصبحت ركناً أساسياً من أركان السياسة الخارجية للدولة، وتعكس صورتها الإيجابية ودورها في تعزيز قيم الحوار العالمي.