احتفاءً باليوم العالمي للغة الصينية، نظّمت مكتبة محمد بن راشد جلسة حوارية ثقافية مميزة سلطت الضوء على تاريخ الجالية الصينية في دبي، من خلال مناقشة كتاب «التاريخ الصيني في دبي» بحضور مؤلفيه الأستاذ ماو يي مينغ والدكتور لي هوافاي، وسط تفاعل واسع ومشاركة كبيرة من الحضور الذين انخرطوا في نقاشات ثرية وأسئلة عميقة حول مضمون الكتاب وتجربة المؤلفين.
افتتحت الجلسة بسؤالٍ لطالما تردّد قبل عام 2020: «يوجد حوالي 300,000 صيني في دبي، ولكن كيف نشأت هذه الجالية الكبيرة من لا شيء؟» وهو ما يحاول الكتاب الإجابة عليه من خلال توثيق نادر وشامل لمسيرة الجالية الصينية في الإمارة، والتي لم تُوَثق من قبل بشكل منظّم رغم أهميتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
استعرض المؤلفان أبرز محاور الكتاب، بدءاً من الأدلة التاريخية الأولى على التبادل بين الصين ودبي، والمتمثلة في قطع من الخزف الصيني الأخضر من عهد أسرة سونغ (القرن التاسع حتى الثاني عشر الميلادي)، والتي عُثر عليها في موقع جميرا الأثري، وتُعرض اليوم في متحف دبي. وقد شكّلت هذه القطع نقطة انطلاق لسرد تاريخي يمتد لقرون من التبادل التجاري والثقافي بين الصين والمنطقة.
ثم انتقل النقاش إلى محطات مهمة في التاريخ الحديث، حيث تحدث المؤلفان عن أولى البرقيات الصينية المُرسلة من دبي إلى الصين في خمسينات وستينات القرن الماضي، وعن افتتاح أول مطعم صيني في الإمارات، وظهور أوائل المعالجين الصينيين التقليديين، إضافة إلى نشأة ما يُعرف بـ«الفلل الصينية» وملامح الحياة المجتمعية الصينية الأولى.
واستعرض الكتاب أيضاً التحولات الكبرى في تسعينات القرن الماضي، مثل قصة سوق «موشو» الشهيرة، بالإضافة إلى وصول التجار من مدينة ونتشو الذين غيّروا خريطة التجارة الصينية في دبي، وانطلاق المعارض المتنقلة التي مهّدت لتأسيس مجمع «التنين» (دراغون مارت).
وتناول المؤلفان كذلك «العصر الذهبي» للأعمال الصينية في دبي خلال الفترة ما بين 2000 إلى 2009، حيث أُنشئت أولى مراكز الحياة المجتمعية الصينية، وتطورت العلاقات الاقتصادية بشكل غير مسبوق، قبل أن يشهدا التغيرات التي جلبها الإنترنت، والمضاربة العقارية، والتحولات الثقافية، والاجتماعية.
وفي الفصل الأخير، يغطي الكتاب مرحلة 2010 إلى 2019، حيث شهدت الجالية الصينية انفجاراً في أعداد السياح، وانتشاراً أوسع في المناطق السكنية مثل المدينة العالمية، إلى جانب توثيق موجز لتاريخ الطب الصيني والطعام الصيني وشراء العقارات في دبي.
تخلّل الجلسة عزف موسيقي حي للألحان الصينية التقليدية أضفى أجواء ثقافية ساحرة على الأمسية، إضافة إلى فعالية كتابة أسماء الحضور باللغة الصينية على فواصل الكتب، والتي لاقت تفاعلاً كبيراً وأضفت طابعاً شخصياً ومميزاً على المناسبة.
وتميّزت الجلسة بتفاعل كبير من الحضور الذين أبدوا إعجابهم بمحتوى الكتاب وأهمية توثيق هذا التاريخ غير المعروف بالنسبة للكثيرين. وأكّد الكاتبان خلال حديثهما أن «تاريخ الصينيين في دبي قد يبدو بسيطاً أمام خريطة العالم، لكنه يحمل أهمية كبيرة لمن عاشه، ولو لم يُسجل، لكان وكأنه لم يحدث أصلاً». كما وجه الشكر لجميع القدامى من الصينيين في دبي، الذين ساهموا بشهاداتهم في توثيق هذا العمل.
نشر في البيان 16371 بتاريخ 2025/04/20
أضف تعليقاً