كتب السيرة الذاتية تحظى بإقبال كبير من القراء العرب رغم ندرتها في الساحة الثقافية العربية، وكتاب «ترجمة النفس.. السيرة الذاتية في الأدب العربي» أثار في ندوة الثقافة والفنون بدبي جدالاً غنياً بالأسئلة واستعراض السيرة الذاتية العربية بوصفها جنساً أدبياً خاصاً في التراث العربي له خصوصيته برغم تراجعه في السنوات الأخيرة، وقد ناقش الكتاب الدكتور علي بن تميم أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب، والأديب محمد أحمد المر وأدار الأمسية سلطان صقر السويدي، رئيس مجلس إدارة الندوة.استهل السويدي الندوة مشيراً إلى أن أدب السيرة الذاتية يمتد عميقاً في التاريخ لأكثر من 12 قرناً وكتاب «ترجمة النفس.. السيرة الذاتية في الأدب العربي» يؤكد ذلك، وقد حرره مجموعة من الباحثين الأجانب المهتمين بدراسة تاريخ ونشأة الأدب العربي، وتوصلوا فيه إلى أن هذا النوع من الأدب ليس مقصوراً على الغرب كما هو شائع، وإنما عرفه الأدباء العرب منذ القرن التاسع عشر.قال الأديب محمد المر: إن الكتّاب العرب في كتابتهم عن السيرة الذاتية كانوا يتحدثون بطريقة نرجسية، فمثلاً كتبوا كيف استطاعوا وهم في سن صغيرة أن يحفظوا القرآن الكريم، وكيف استطاعوا أن يقرأوا الكتب الشهيرة في الأدب والنحو، والموسوعات الفقهية، فالكاتب كان يسعى أن يقدم شخصيته بطريقة فريدة من خلال تاريخه وإنجازاته الفريدة ويعتبر نفسه قدوة يجب أن يحتذى بها، وأشار المر إلى إن أسامة بن منقذ في سيرته كتب فن اليوميات في الأدب العربي، وسجل تجربته الذاتية والممتعة بحيوية نادرة، كما قدم الإمام الغزالي في كتابه «المنقذ من الظلام» سيرة روحية أكثر منها سيرة ذاتية واجتماعية، وأكد المر إن القارىء المعاصر عندما يطلع على النصوص القديمة في السيرة الذاتية يجد فيها بعض الصعوبات قد تصل إلى اختلاف وتضارب في الفهم والمعنى، فالنصوص القديمة تحتاج إلى فهم عميق ومعرفة أسرارها ويرى المر: إن الأجيال الشابة تحتاج إلى المزيد من الفهم والمهارة لتعمق أكثر في مفاتيح النصوص القديمة.علي بن تميم قال إن هذا الكتاب يعتبر فريداً من نوعه، يرجع ذلك إلى أنه لأول مرة يشترك في تأليفه 10 باحثين استغرق عملهم قرابة عقد من السنوات، ويتوقف الكتاب عند السيرة الذاتية التي يرى الكثير إنها مقصورة على الحضارة الغربية وإنها فن ساعد انتشار المرايا كما يقول محمود رجب في كتابه «المرآة» على شيوعه، لأن الإنسان صار بعد انتشار المرايا قادراً على تأمل ذاته، وقال بن تميم: إن الكتاب يسعى إلى تقديم أطروحة تظهر من داخل الموروث السيري العربي محاولاً بيان سمات هذه الكتابة ودوافعها، موضحاً إن كلمة سيرة أول ما أطلقت على سيرة الرسول صلى الله عليه و سلم، والسيرة في اللغة مشتقة من السير، وهو تعني المضي، أما التاء اللاحقة بها فقد نقلتها من المصدرية إلى الاسمية، وقد اقترنت لفظة السيرة بعد ذلك بالشعبية وتعني نوعاً أدبياً قصصياً طويلاً من أنوع القص في الأدب الشعبي العربي يتابع فيها القاص مراحل حياة البطل الرئيسي، ويتم سرد السيرة الشعبية نثراً ويتخللها الشعر في المواقف المتوترة مثل:سيرة بني هلال، وسيرة عنترة بن شداد، وسيرة الزير سالم.نوه بن تميم أن هذا الكتاب لم يدرس السير دراسة نصية، وإنما حاول أن يعطي مؤشرات مكثفة نستطيع من خلالها أن نبني بحوثاً في دراستها، و إنه من خلال التوقف عن السيرة الذاتية لحنين بن إسحاق والتي تعتبر هي أول سيرة ذاتية في تاريخ العرب كما جاء في الكتاب، والتي استخدم فيها ضمير المتكلم المفرد مما أضفى على السيرة قدراً من المصداقية، وقال بن تميم: إن نهج السيوطي في كتابة السير أدى إلى غياب التطور الزمني عن السيرة، و ناقش الكتاب موقف كل من فرانتس روزنتال،وجورج ميتش من السيرة الذاتية العربية والذي اعتمد على نقاش موضوعي، وبين ما تنطوي إليه نظرة روزنتال من أبعاد استشراقية بخصوص السيرة الذاتية العربية، كما اعتبر روزنتال سيرة الحارث المحاسبي (243هجرية ) هي أقدم سيرة روحية عربية في حين تشكل سيرة حنين بن اسحاق (264 هجرية ) أقدم سيرة دنيوية عربية، وبرغم قيمة الكتاب البحثية والعلمية إلا أنه لم يدرس الكتابة السيرية العربية وتطورها النصي دراسة تحليلية.قدم كتاب "ترجمة النفس" الذي أصدرته دار»كلمة«التابعة لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، معاينة تحليلية في عدد من النصوص المعروفة ضمن أدب السيرة الذاتية منذ بدايته وطرق تشكله وخصائصه، وينقسم الكتاب إلى أربعة فصول تتحدث عن أصول وتاريخ السيرة الذاتية العربية وقام بتحرير الكتاب دويت راينولدز وترجمه سعيد الغانمي.
نشر في البيان 12990 بتاريخ 2016/01/13
أضف تعليقاً