أنجزت الفنانة الإماراتية كريمة الشوملي رسالة دكتوراه موضوعها البرقع الإماراتي من زاوية تشكيلية ثقافية، وذلك بجامعة «كنغستون» في بريطانيا، وهي أول رسالة دكتوراه في الإمارات وفي العالم تتناول الجماليات التشكيلية للبرقع الإماراتي، والتداعيات الحكائية والأسطورية في الثقافة الشعبية ذات الصلة بهذا الرمز، الذي يشكل مكوّناً اجتماعياً ثقافياً أصيلاً في زي المرأة، وبشكل خاص في ما يتعلق بوجهها وشخصيتها وحضورها الإنساني.ارتكز الجانب العملي للرسالة على نظريات «دانيال ميلر» وعايدة كنفاني حول ماديات الثقافة، كما جاء في مادة البحث، والتجسيد لتلك الثقافة بالتركيز على الحواس والحميمية للبرقع الإماراتي، وتقول الشوملي التي أمضت أربع سنوات من البحث والمقابلات والغوص في ما توافر من مراجع (على قلتها) «إن بحثها الجمالي الثقافي التاريخي والاجتماعي هذا والذي محوره (البرقع) إنما يأتي محاولة تسجيل ورصد تاريخ البرقع، قبل أن يؤول إلى الاندثار في خضم الثقافات الواردة على المجتمع الإماراتي».بدأت بحثها أولاً بالتركيز على ممارسات غطاء الوجه في شبه الجزيرة العربية من منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، من خلال ما كتبه المستشرفون الرحالة الذين قدموا إلى المنطقة في ذلك الوقت.اعتمدت كريمة الشوملي فيما يتعلق بالبحث الميداني في ثقافة البرقع على إجرائها 35 مقابلة مع سيدات يرتدينه في قطر والبحرين وكل إمارات الدولة، وأجرت توثيقاً تشكيلياً للبرقع في الإمارات، كما بحثت في أعمال فنانين كان البرقع مادة أساسية في أعمالهم التشكيلية، ومنهم أعمال الفنان الإماراتي محمد يوسف، وقرأت أيضاً نماذج البرقع في أعمال الفنان القطري عبد الرحمن المطاوعة.بحثت الفنانة كريمة الشوملي، أيضاً في تقنية الكتابة بوصفها عنصراً أساسياً في إنتاج العمل الفني، وفي هذا السياق ذهبت إلى أعمال كل من الفلسطينية منى حاطوم في عملها الفني (بُعد المسافات)، والفنانة الجزائرية زينب سديرة في عملها الفني (السيرة الذاتية)، كما قرأت تجربة الفنانة المغربية ليلى السيد في عملها (الجمال)، وقامت الشوملي بعقد مقارنة بين أعمالها وأعمال الفنانة التشكيلية العراقية جنان العاني على اعتبار أن القاسم المشترك بين عمل الشوملي وعمل العاني هو التصوير الفوتوغرافي، حيث استخدمت العاني غطاء الرأس والوجه، فيما تركز الشوملي على البرقع.يمثل البرقع وجهاً للمرأة.. «.. هذا وجهي»، كما رأت الشوملي، ويمثل هويتها الاجتماعية والجمالية، وبالنسبة للمرأة فإن البرقع حشمة وستر، وهو بالنسبة إليها حماية من الظروف المناخية، وحماية من الغرباء.يلامس البرقع وجه المرأة تماماً ويحمل رائحتها ويحمل صورتها الإنسانية.برقع الفتاة يختلف عن برقع المرأة حديثة الزواج، ويختلف عن برقع المرأة الجدّة، وقديماً ترتديه الطفلة وهي في السابعة من عمرها عند بعض القبائل، في الجزيرة العربية، وترتدي الفتاة البرقع عندما تأتيها الدورة الشهرية إشارة إلى أنها وصلت مرحلة البلوغ، ومن ناحية اجتماعية هي إشارة إلى أن الفتاة في هذه المرحلة يمكن أن تطلب يدها للزواج.ومن الحكايات الشعبية كما أشارت كريمة الشوملي في الثقافة التراثية في المنطقة حكاية (فتاة بومطيرة) وكان أراد والدها أن يزوّجها من خارج القبيلة، ويقال إن هذه الفتاة رفضت هذا الزواج فغطت وجهها بقطعة قماش، ويقال إن ذلك هو أصل البرقع.وعندما جاءت أم العريس لتراها ادّعت الجنون عندما قامت بحركات غريبة، حينها أقسم والدها على أن تبقى في غطاء وجهها هذا طوال عمرها.برقع ليلة الزفاف يختلف - كما تقول الشوملي - عن أي برقع آخر، وهو مطعّم بالذهب، ويسمى (البرقع الرّيسي)، وعند المرأة قديماً - برقعان: إذا تلف أحدهما تقوم باستخدام الآخر، وفي حالة عدم قدرتها على اقتناء برقع جديد تحاول بطرق تقليدية (طرق) سطح البرقع لاسترجاع لمعته.تقول الشوملي: سابقاً كانت المرأة لا ترفع برقعها عن وجهها حتى وهي في بيتها، وبعض النساء ينمن وهن مرتديات براقعهن، والمرأة لا تخلع برقعها إلا عند الوضوء والصلاة.قبل زفاف العروس بثلاثة أيام يُطلى جسدها بالنيل الأزرق (صبغ أزرق)، وتكون معزولة لا تراها سوى أمها أو عماتها، ويتم إلباسها برقع إحدى قريباتها من العائلة بشرط أن يكون لصاحبة البرقع أطفال، كنوع من الفأل الحسن بأن العروس ستنجب.
نشر في الخليج 13658 بتاريخ 2016/10/10
أضف تعليقاً