أكد المستشرق والدبلوماسي الفرنسي لويس بلين، أن الحضارة العربية أحد أهم المكونات الأساسية للشخصية الفرنسية، والتي تظهر جلية في مئات الكلمات التي يتحدث بها الفرنسيون يومياً، ومشتقة من أصول عربية، إلى جانب المأكولات وغيره، مضيفاً أن رحلات «تان تان» شخصية الكوميكس الشهيرة، أدركت ذلك مبكراً فكانت محطاتها في الشرق خاصة في العالم العربي نوعاً من البحث عن الذات. وأشار في حواره مع «الخليج» إلى أن الشرق أصل الحضارات، وأن نابليون بونابرت عند غزوه مصر لم تكن أهدافه كلها طموحات عسكرية وسياسية فقط، بل كان هناك جزء خاص منه يبحث عن جذوره وأصوله، وقال «حتى السائح العادي الذي يتجول في أي بلد يشعر بأن هناك شيئا في أعماق شخصيته يرتبط بالشرق». وأضاف: «تان تان» ليس مجرد شخصية كرتونية، بل أحد أهم مفردات التعريف بالآخر إذ كانت شهرته الواسعة سبباً في تعريف أطفال العالم بسماحة الإسلام عبر شخصية «عبدالله» التي يعرفها ويحبها كل قراء سلسلة المغامرات واسعة الانتشار التي ترجمت لأكثر من 90 لغة، وبيع منها 220 مليون نسخة، إضافة إلى المئات من حلقات المسلسلات عبر العالم. وأشار إلى أن تخصيص عدة أجزاء من مغامرات «تان تان» مطلع الثلاثينات من القرن الماضي كان يعد عملاً جريئاً ومختلفاً قدمه المؤلف هيرجيه في ذروة الفترة الاستعمارية وما تبعها من ترويج أفكار عن العالم العربي بأنه لا يعرف سوى البداوة، فكانت مغامرات«تان تان» رحلات مجانية لملايين الأوروبيين لأرض الشرق الغنية بتراثها الثقافي والإنساني. كان بلين استعرض في محاضرة قدمها استضافتها الرابطة الثقافية الفرنسية في دبي أحدث مؤلفاته الصادر بالفرنسية تحت عنوان «العالم العربي في مجلدات تان تان» وقال خلالها: كان تان تان من أبرز «شخصيات» القرن العشرين، وترك في ذلك القرن بصمة أقوى من أيٍ من معاصريه. وأثر هيرجيه، المبدع البلجيكي لشخصية «تان تان»، أكثر من أي كاتب آخر، في نفسية الأوروبيين الذين ولدوا بين عامي 1920 و1990. واعترف الجنرال شارل ديجول بأن «تان تان» هو «المنافس الدولي الوحيد» له، وشكلت مسيرته خلال القرن العشرين نوعا من المحفوظات الحقيقية لعقائد وأزمات ذلك القرن. وأضاف: حتى نفهم «تان تان»، لا بد من إعادته إلى وضعه في العصر الذي عاش فيه مؤلفه.وأشار بلين الحاصل على الدكتوراه في التاريخ المعاصر إلى أنه بالرغم من زيادة الكتابات الاستشراقية الداعية إلى الفهم الصحيح للحضارة العربية، إلا أننا نلاحظ ارتفاعا مستمرا لشعبية اليمين الأوروبي المتطرف، ومن هنا واتته فكرة تأليف كتاب يشرح العالم العربي في عيون «تان تان»، ومن خلال محبة القارئ الأوروبي للشخصية.يطرح بلين قريباً موسوعته التاريخية التي خصصها لدراسة ثراء وتنوع منطقة الحجاز منذ القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية. وأكد أنها ستضم كما هائلا من الوثائق والصور الجديدة التي لم تنشر عن المنطقة، ومنها على سبيل المثال أول فيلم فرنسي تم تصويره هناك في عام 1917، وأن الموسوعة ستكون مرجعاً جديداً لدعم العلاقات العربية الأوروبية. وتصدر باللغتين الفرنسية والعربية.أشار بلين، إلى أنه اعتمد على النسخة الفرنسية الأصلية عند قراءة رحلات «تان تان» في العالم العربي، وليس النسخة الإنجليزية التي رضخ ناشرها الإنجليزي في العام 1971 للضغوط «الإسرائيلية» لحذف أي إشارة للصراع العربي «الإسرائيلي» من النسخة الأصلية. وعليه قدم قراءته النقدية لمحطات «تان تان» كما كتبها هيرجيه، فاحتفظ بأسماء القرى والشخصيات العربية بهويتها كما كتبت.
نشر في الخليج 14382  بتاريخ 2018/10/04
أضف تعليقاً